صدرت الاوامر بوقف الموكب العائد من مناسك الحج! اكثر من مئة وعشرين الف حاج وفي لهيب تلك الشمس المحرقة! والهواء القائض! وذلك بامر من قائد القافلة ومرشدها!
ترى مالذي حدث!؟
انتشر اللغط وتكاثر الهمس وبثت الشائعات وازدادت التوقعات! وعلى حين غرة.. علا نداء الحق فعم الصمت المطبق على الجموع الغفيرة وساد الهدوء المكان.. واذا باطلالة العز وبهاء النور وصوت الوحي ينادي عليا! قم ياعلى..! فقام حتى اذا دنا بقربه صدع بخطبته الغديرية العصماء ولما وصل به مقام كلمه الطيب رفع ساعد علي الى الاعلى حتى بان بياض ابطيهما (صلوات الله عليهما)! مبلّغا تلك الجموع بما انزل اليه من ربه (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)! وبدونه لا يكتمل الايمان ولا يستقيم دين المرء مهما بلغ من عبادة الاله الواحد الاحد!
انبرى الاصحاب الى مبايعة علي ابن ابي طالب حتى قال أحدهم (بخ بخ لك ياعلي لقد اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة..!!).
هذا باختصار ما جرى في غدير خم وأما ما يرد من تفاسير وتحاليل مخالفة لروح الغدير فهو أما ان يكون بقصد الحنق والبغض والحسد، وأما المراد هو التشويه والتعتيم على الحقائق! ولو ألقينا نظرة موضوعية الى ما يجري حولنا اليوم من مآسي وحروب واقتتال فمرده هو الخروج عن خط الوحي الصادق وتغيير بوصلة المسير السوي الذي حدده الرسول الاكرم (ص) ورسمه طبقا للارادة الالهية وتماشيا معها وانقيادا لها!
إن الامة اليوم بحاجة ماسة لان تعيد حساباتها من جديد وتحدث ثورة على الذات... تدرس التاريخ بحيادية تامة بعيدة عن التعصب الاعمى.. تقلب صفحاته البيضاء الناصعة لا تلك التي خطها أعداء الدين والملة...! فان للغدير غدا مشرقا يشق أغوار الزمن ويتحدى المحن... يتجدد كل عام متغلبا على الصعاب مهما عظمت وتكاثرت! كونه إنطلاقة وحي الهي وليس من صنع البشر كما يحلو للبعض تفسيره وتأويله! ورسالة عز وفخر وكبرياء قرنها الله تعالى برسالته كلها...!
المسلمون اليوم بكل اتجاهاتهم ومشاربهم بحاجة الى تحليل واقعي ومنطقي لواقعة الغدير وبحاجة أيضا الى دراسة بعيدة عن التعصب تنسجم مع الفطرة وتتناغم مع العقل.. تخلق شخصية ثابتة وتصنع إنسانا مبدئيا يتعامل مع مجريات ومعطيات العصر الحديث طبقا لما تراه الشريعة المقدسة وينسجم مع مبادئ الدين الحنيف!
نحن اليوم بحاجة ماسة الى ثورة معارفية كبرى تعيد رسم الخارطة من جديد وتشطب على كل ماعلق بها من تشويه وتزوير للحق وتمييعا للحقيقة التي حاول الطغاة طمسها ودفنها ! شعلة الحق التي رفعها رجال الله وضحوا بكل غال ونفيس في سبيل إبصالها الى سمع المتطلعين والعاشقين لها.. لازال صداها ينبعث من كل زاوية من زوايا هذا الزمن المملوء بالفتن وقلب الحقائق.
طارق الخزاعي