بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على خاتم رسل رب العالمين سيدنا أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الهداة المهديين.
أسعد الله أوقاتكم بكل خير حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة.
حتى الآن مر عليكم تفسير 71 آية من آيات سورة الحج المباركة وفي هذه الحلقة نعرض تفسير بعض من آياتها الأخرى، ولنستمع أولاً إلى تلاوة الآية الثانية والسبعين:
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ ۖ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۗ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ ۗ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّـهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿٧٢﴾
لقد مر علينا في الحلقة السابقة أن الله تعالى شأنه رفض عبادة الأصنام لكونها عملاً مخالفاً للعقل والفطرة والوحي المبين، وفي هذه الآية إشارة إلى التعصب الأعمى لدى الكفار الجاهلين.
نعم.. إن الكفار لا يصغون إلى حديث القرآن وهو أحسن الحديث، فكيف بالتفكر فيه؟
إن الغضب يستولي على الكفار حين تتلى عليهم آيات الرحمن، وهذا من سوء حظهم الذي يكون من بعده سوء مصيرهم.
لقد ميز الإنسان بالعقل إذ منحه الله العقل لكي يميز بين الحق والباطل فيقبل الحق ويدع الباطل، إن إنكار الحق لا يقتصر على عصر حياة الأنبياء (ع) بل في كل زمن ومنه زمننا الحاضر يظهر من الناس من يدعون الشعور الثقافي فينكرون الخالق والرسل (ع) وليس لإنكارهم هذا من دليل بل هو ناشئ من العناد واللجاج وهو النفس.
إن الله جل جلاله عالم بأمثال هؤلاء وهو جل جلاله يمهل ولا يهمل وإنه يوم القيامة محاسب الكفار والمعاندين ويعاقبهم بالنار جزاءاً بما فعلوا في الدنيا، ذلك مأواهم في الآخرة فبئس المأوى وبئس المصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ويفيدنا النص الدروس الكثيرة منها:
- إن إنكار الحق يقود الإنسان إلى الكفر، وفي القيامة للكافر الحسرة والندم ولسان حاله يقول ياليتني كنت تراباً.
- إن أسلوب المنطق الرصين هو أسلوب الدفاع عن الحق ومن يفقده يلجأ إلى الهجوم بشراسة ظناً منه أنه بذلك ينجح في تحقيق مآربه الباطلة.
ويقول تعالى في الآيتين الثالثة والسبعين والرابعة والسبعين من سورة الحج الشريفة:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴿٧٣﴾
مَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٧٤﴾
إن من الناس وفي كل عصر ومكان من عبد الأصنام والحيوانات والكواكب والأهواء والطواغيت وغيرها من دون الله الذي ينبغي أن يعبد لأنه تعالى أهل للعبادة.
هذا النص يقول أن هذه المعبودات لا تضر ولا تنفع ولا تقدر على خلق حتى ذبابة، لا بل أن الذباب إن سلبهم شيئاً لا يقدرون على استرداده.
ويتساءل القرآن الكريم أن من لا قوة لديه على مواجهة الذباب كيف له أن يكون للإنسان ظهيراً؟ وأين هذه الآلهة المصطنعة من الإله العظيم رب الأرباب وخالق الأرض والسموات وإن معنى ضعف الطالب والمطلوب، الأصنام وعبادها.
ويفيدنا النص التالي:
- أن لا نستصغر أي مخلوق من مخلوقات الله حتى وإن كان صغيراً كالذبابة.
- إن عبادة غير الله من مصاديق كفران النعم.
ويقول تعالى في الآيتين الخامسة والسبعين والسادسة والسبعين من سورة الحج:
الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿٧٥﴾
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۗ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴿٧٦﴾
إن الشرك في العبادة لا يقتصر على عبادة الأصنام فقط بل عبادة الملائكة والأنبياء (ع) هو الآخر شرك بالله وكان من أهل الكتاب من يعبدون الملائكة مثل جبرائيل وأن النصارى قالت عيسى إبن الله وهو قول بغير حق إن الله جل جلاله هو الذي لابد أن يعبد ومن سواه وما سواه ليس أهلاً للعبادة.
والمأخوذ من هذا النص الشريف هو:
- أن من الملائكة من هم الواسطة في إبلاغ الوحي الإلهي من الله إلى الأنبياء (ع).
- إن الله تعالى شأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وهو السميع البصير.
- إن بدء الخلق بيد الله ونهايته بيد قدرته جل شأنه.
ولنختم كلامنا هنا يقول سيد الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه حيث يقول:
[إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن عبدتك لأني وجدتك أهلاً للعبادة].
نشكر لكم حسن المتابعة إلى اللقاء والسلام خير ختام.