بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيد الخلق أجمعين والمبعوث رحمة للعالمين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين.
سلام من الله عليكم، حضرات المستمعين الأكارم، وأهلاً بكم في حلقة جديدة من نهج الحياة، كنا قد قدمنا لكم حتى الآن تفسير 45 آية من سورة الحج الشريفة وفي هذه الحلقة تفسير لآيات أخرى منها ونبدأ بالآية السادسة والأربعين؛
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴿٤٦﴾
لعلكم تتذكرون أن الآية الخامسة والأربعين التي مر تفسيرها عليكم في الحلقة السابقة أشارت إلى مصير الأقوام الظالمين الذين بادوا ولم يبق لهم من أثر، لكن من الظالمين في كل عصر ومكان من لا يأخذون العبر من مصير أسلافهم الماضين، علماً أن مصيرهم لا يختلف عن مصيرهم.
نعم، إن الظلم وهو خصلة في النفس السيئة يعمي القلوب والأبصار، ومن هنا يتمارى الحاكمون الظالمون في ظلمهم وكأن أعينهم لا ترى قصور الظلم والظالمين خالية مهجورة.
أجل.. إن التاريخ يعيد نفسه إلا أن العقل في بعض الأحيان غائب وغافل عن هذه الدروس التاريخية.
إن من مات حس الوجدان في عقولهم هم العمي الصم، حيث عميت بصيرتهم وصمت روحهم.
والمستفاد من هذا النص هو:
- أن السياحة في الأرض وإن كان فيها متعة للنفس فإن فيها للحياة دروس وعبر، فليسير الإنسان في الأرض وينظر كيف كانت عاقبة الظالمين.
- إن الظلم هو الذي يعمي البصيرة ولا يجعل الإنسان قادراً على رؤية الحقيقة وحتى إن رآها أنكرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ويقول تعالى شأنه في الآيتين السابعة والأربعين والثامنة والأربعين من سورة الحج المباركة:
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ وَعْدَهُ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴿٤٧﴾
وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴿٤٨﴾
بعد أن دعا الرسول الخاتم (ص) الكفار إلى الإسلام، بقي العاندون على كفرهم، وحذرهم الرسول (ص) من عذاب الله الذي هو نازل لا محالة.
لكن الكفار إستهزؤوا بالرسول (ص) وقالوا إستعجل لنا العذاب من ربك، فنزلت هاتان الآيتان لتبينا أن الله يمهل ولا يهمل وأن هذا الإمهال من فيض رحمته على الناس، علّ الكفار يستفيدون من هذه الفرصة الإلهية فينزعون عن نفوسهم لباس الكفر.
ويدلنا القرآن الكريم أن الله مهلك الكفار الذين على كفرهم يصرون، وفي رحمة الله لا يدخلون، وهناك نقطة مهمة وردت في النص القرآني وهي عدم جدوى عجلة الإنسان وإن ألف من الأعوام عند الله أقل من يوم واحد.
إن من يطالع تاريخ الأمم السالفة يرى أنها بادت بغضب من الله بعد إصرارها على كفرها وما ظلمناهم ولكن أنفسهم يظلمون.
والمستفاد من هذا النص:
- ما أحرى وأجدر بالإنسان أن يستظل بأفياء الرحمة الإلهية.
- إن رحمة الله سبقت غضبه وإنه تعالى بالناس رؤوف رحيم.
ويقول تعالى في الآيات التاسعة والأربعين والخمسين والحادية والخمسين من سورة الحج الشريفة:
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿٤٩﴾
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴿٥٠﴾
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴿٥١﴾
إن الباري تبارك شأنه خلق الإنسان ومهد له الأرض وما فيها وبعث له الأنبياء والرسل العظام من لدن آدم حتى الرسول الخاتم، مبشرين ومنذرين.. مبشرين برحمة الله ومنذرين من عذاب الله.
إن مهمة الأنبياء الكرام (س) هداية الناس وإرشادهم إلى سواء السبيل وإن وجودهم للناس رحمة للعالمين.
إن السفراء الإلهيين وهم 124 ألف نبي ورسول هم حملة رايات الحق و الحقيقة، هم المبشرون بالجنات والنعيم والمحذرون من النار والجحيم.
والآن نصغ إلى الدروس المستفادة من هذه النصوص الشريفة:
- ليس للأنبياء والرسل أي سلطة على الناس أي أنهم، عليهم الصلاة والسلام، لا يجبرون الناس على قبول أي دين، إنهم دعاة الله جل جلاله إلى دينه القويم هادون وإلى صراطه المستقيم مرشدون.
- إن رسالات الأنبياء (ع) واضحة جلية تطابق الفطرة البشرية، إنهم (ع) بعثوا بالحنيفية البيضاء أولها كآخرها وباطنها كظاهرها.
- في قبال جبهة الحق والإيمان، تقف جبهة الباطل والكفر ومن هنا فعلى المؤمنين في كل زمان ومكان، الذود عن دين الله وحد الهجوم الكافر أياً كان نوعه.
حضرات المستمعين الأفاضل، من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، وصلنا وإياكم إلى نهاية حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة.
أنتم على موعد قرآني آخر إلى اللقاء والسلام خير ختام.