بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم، حضرات المستمعين الأكارم، وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم (نهج الحياة) حيث نتابع تفسير آيات أخرى من سورة الحج المباركة، ونبدأ بالآيتين التاسعة والثلاثين والأربعين، حيث يقول تعالى:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴿٣٩﴾
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠﴾
أعزاءنا، إن من يطالع تاريخ عصر الرسالة الزاهر، يرى أن النبي (ص) صدع بدعوته المباركة في مكة المكرمة وآمن بالإسلام طائفة من الناس، فمارست قريش ضدهم صنوف العذاب حتى إستشهد البعض منهم ثابتاً على مبادئه ملتزماً بدينه.
وتمادت قريش في إيذائها المسلمين فاضطر بعضهم في البداية للهجرة إلى بلاد الحبشة، لكن الهجرة الكبرى كانت إلى يثرب، فهاجر إليها رسول الله (ص) والناس معه؛ بعد أن فقد حاميه أبي طالب عليه السلام.
ومن بعد أن قام النبي (ص) في يثرب والمسلمون معه عرفت بالمدينة وفيها نزلت الآيتان الكريمتان حيث أجاز الله للناس الدفاع عن أموالهم وأنفسهم قبال كل هجوم، وتكفل الله بنصرة عباده أمام الأعداء والكفار.
وفي هذا النص ما يؤشر على لزوم الحفاظ على المراكز الدينية لأي دين وأن هذا واجب على أتباع كل الديانات، ويفيدنا النص الشريف ما يلي:
- أن من حق المظلومين الدفاع عن أنفسهم واستيفاء حقوقهم.
- إن وعد الله في النصر حق.
- من المصاديق البارزة للظلم تهجير الناس من أوطانهم.
- إن خطط أعداء الأديان ترمي إلى تدمير المراكز الدينية لأنها رموز الدفاع عن المظلومين ضد الظلم والطغيان.
ويقول تعالى في الآية الحادية والأربعين من سورة الحج:
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿٤١﴾
إن الواضح من هذه الآية أن الجهاد في سبيل الله ليس لفتح البلدان والإستيلاء على الغنائم، بل هو من أجل إقامة دين الله في أرضه وإقامة الصلاة وإتيان الزكاة والأمر بالمعروف والنهي المنكر.
إن الصلاة توصل العبد مع ربه وأن الزكاة تواصل الناس مع الناس وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قوام المجتمع، وكيفما كان فإن المصداق الكامل لتحقق ما تذكره هذه الآية يتمثل دولة العدل للإمام المهدي المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
فدولته المباركة هي دولة العدل الإلهي الكامل لأن الإمام المهدي – صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين – بعد ظهوره يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
والمستفاد من هذه الآية الأمور التالية:
- علامة الصالحين أنهم إذا أمسكوا بزمالة الأمور طهروا الأرض من كل فساد.
- الحكام الصالحون يعملون على تنمية المجتمع تنمية معنوية ومادية.
- إن من الوظائف الدينية عند المؤمنين مواجهة مظاهر الفساد في المجتمع من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويقول تعالى شأنه في الآيات 42 إلى 44 من سورة الحج:
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ ﴿٤٢﴾
وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ ﴿٤٣﴾
وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴿٤٤﴾
كما هو واضح فإن هذه الآيات الشريفات تتحدث حول تاريخ الأمم الماضية التي بعث الله تعالى فيها أنبياء ورسل (ع) وفي هذه النصوص الشريفة مواساة لرسول الإسلام (ص) وإنه ليس النبي الأول الذي يتعرض لأذى الكفار، بل إن الأنبياء من قبله كانوا تعرضوا لمثل هذا الأذى.
وتبين هذه الآيات أن الله ناصر دينه وأنه مبير للظالمين وأن وعد الله حق في إمداد المؤمنين بالنصر في كل زمان ومكان.
وعلى هذا الأساس لابد للمسلمين من التضحية والفداء في سبيل الله وأن لا يهنوا ولا يضعفوا لأنهم هم الأعلون.
والآن إلى الدروس المأخوذة من هذه الآيات فهي:
- إن في تاريخ أمم الماضين دروس وعبر للحاضر والمستقبل.
- إن الله جل جلاله يمهل ولا يهمل وإن وعده هو الوعد الحق فهو نصير المظلومين وخصيم الظالمين.
ويقول تعالى شأنه في الآية الخامسة والأربعين من سورة الحج:
فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴿٤٥﴾
إن هذه الآية تتحدث حول مصير الطغاة والجبابرة حيث حكموا وسادوا ثم زالوا وبادوا فتركوا من قصور وجنات وعيون ونعمة كانوا فيها فاكهين فقد أورثها الله قوماً آخرين.
إنهم كما وصفهم الشاعر:
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم واستنزلوا حفراً يا بئس ما نزلوا
والمستفاد من هذا النص:
- إن عاقبة الظلم النار وبئس المصير.
- إن بناء الظلم زائل لا محالة.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا وصلنا وإياكم إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج (نهج الحياة) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
نشكر لكم حسن المتابعة والإصغاء، إلى اللقاء والسلام خير ختام.