بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.
حضرات المستمعين الأكارم السلام عليكم وأهلا بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، لا نزال وإياكم في رحاب سورة الحج المباركة حيث نفسر آيات أخرى منها بادئين بالآية الخامسة والثلاثين؛
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣٥﴾
كما مر علينا في الحلقة السابقة فإن الله جل جلاله أمر نبيه (ص) أن يبشر المؤمنين المخلصين بأن لهم جنات النعيم.
وتأتي هذه الآية لتتحدث حول الخصائص النفسية للمؤمنين..
نعم، إن المؤمنين يخشون الله ويسعون إلى كسب رضاه وأن قلوبهم تضطرب إن قاموا بعمل لا يرضى الله.
ومن الواضح أن العلامة الأساسية للإنسان المؤمن هي إتيان الصلاة والمؤمنون لا يتهاونون في أداء صلاتهم أبداً، بل على العكس إنهم على صلاتهم محافظون، ومن صفات المؤمن الصبر عند الشدائد والصعاب.
أجل إن المصائب وهي امتحان إلهي إن حلت بالمؤمن لم يتزعزع إيمانه بل يبقى إيمانه راسخاً قوياً، وفي الإنسان المؤمن صفة أخرى إنه يعمل على حل مشاكل المحرومين ويخفف من المصائب التي حلت بإخوانه، متقرباً بذلك إلى رحمة ربه ورضوانه.
ويفيدنا نص الآية الآتي:
- إن التقوى هي سبيل الوصول إلى الكمالات الإنسانية وأن التقوى تقوي في النفس الصبر أمام الشدائد والملمات.
- إن الإنسان المؤمن ليس إنساناً منزوياً بل أن له في المجتمع حضور وهو يفيء بدوره فيه.
ولنستمع الآن إلى تلاوة الآية السادسة والثلاثين من سورة الحج وهي قوله تعالى:
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّـهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٣٦﴾
كما هو واضح من النص فإن فيه إشارة إلى مناسك في الحج وهي تقديم القرابين، إن تقديم الأضاحي فيه جانبان أحدهما معنوي والثاني مادي، أما المعنوي فهو دليل على طاعة الله جل شأنه وأما المادي فيتجسد في تقديم وتوفير طعام الفقراء وفي ذلك مواساة لهم في فقرهم.
والفقراء من الناس على صنفين؛ صنف يسأل ويعرض حاجته وآخر لا يسأل ويكتم عوزه، والمؤمنون إزاء الصنفين مسؤولون.
والمستفاد من هذا النص ما يلي:
- إن تقديم الأضاحي في سبيل الله، هو تعظيم لشعائر الله ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
- إن آيات القرآن الكريم مفعمة بالدعوة إلى التواصل الإجتماعي كأن يشرك الإنسان الفقراء في مأكله ويزحزح عن كاهلهم ثقل الفقر ويخفف من معاناتهم، شاكراً في ذات الحين ربه جل شأنه أن وفقه لعمل الخير، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه.
ويقول تعالى في الآية السابعة والثلاثين من سورة الحج الشريفة:
لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴿٣٧﴾
في هذه الآية إشارة إلى الفلسفة الأساسية للتضحية وذبح القرابين في سبيل الله، ولعل من الواضح أن المراد من التضحية هنا المعنى غير المادي وبعبارة أوضح أن التضحية والفداء في سبيل الله والإيثار على طريق المبادئ والقيم الحقة.
إن الآية تبين لنا أن الله تعالى شأنه لا حاجة له بلحوم الأضاحي ودماءها، وإن ما جرت عليه عادة المشركين من تلطيخ الأصنام بدماء القرابين أمر مرفوض في الشرائع الإلهية، وفي مقدمتها الشريعة الإسلامية المقدسة على أن ذبح الأضاحي هو نوع من الإحسان إلى الآخرين، إذ تفرق لحومها على الفقراء والمحتاجين، وهذا من مصاديق إحساس المسلم بمعاناة أخيه المسلم.
والمأخوذ من هذا النص أمران هما:
- إن العبادة هي دروس لسمو الإنسان في دنيا الفضائل وإن كفر من في الأرض جميعاً فإن الله غني عن العالمين.
- إن أفضل نعم الله على الإنسان نعمة الهداية إلى سبيل الرشاد وعلى الإنسان أن يشكر الله جل جلاله أن هداه إلى سواء السبيل.
وآخر آية نأتي على تفسيرها في هذه الحلقة هي الآية الثامنة والثلاثين من سورة الحج، حيث يقول الله تباركت أسماؤه:
إِنَّ اللَّـهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴿٣٨﴾
إن الآية تتحدث حول الثبات في سبيل الحق والمبادئ الحقة ولا ريب أن مثل هذا الأمر يغضب الكافرين الذين يجندون كل طاقاتهم وإمكاناتهم لحرب المؤمنين، لكن الله تعالى شأنه محبط عمل الكافرين وإنه نصير المؤمنين.
إن الكفار مهما فعلوا لا يفلحون وإنهم وفي كل زمان ومكان ينالهم غضب الله، ذلك بما عصوا وما كانوا يفعلون.
والمستفاد من هذا النص ما يلي:
- إن الله وعد نصر المؤمنين وأن وعده حق وأنه تعالى لا يخلف الميعاد.
- إن رحمة الله للمؤمنين وإن غضب الله على الكافرين وما ربك بظلام للعبيد.
- إن الكفر هو نوع من إنكار النعم الإلهية وخيانة لله ورسوله.
حضرات المستمعين الأفاضل، على مدى عدة دقائق كنا وإياكم حول مائدة القرآن - أحسن الحديث - خلال برنامج نهج الحياة.
إلى اللقاء والسلام خير ختام.