بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج (نهج الحياة) ويسرنا أن نأخذكم إلى رحاب القرآن الكريم، حيث نقدم تفسير لآيات أخرى من سورة الحج، ونبدأ بالآية الثلاثين منها:
ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿٣٠﴾
كما مر عليكم فإننا عرضنا في الحلقة السابقة بعضاً من أحكام ومناسك الحج وتدلنا هذه الآية أن مناسك الحج هي من العبادات التي لابد أن تراعى حرمتها، وأن مدينة مكة المكرمة والمسجد الحرام والكعبة المعظمة ذات حرمة، وإن على الجميع إحترام هذه المشاعر المقدسة.
وتتحدث الآية عن بعض المحرمات والمحللات؛ ومن المحرمات المادية بعض الأطعمة ومن المحرمات العقائدية الشرك وقول الباطل.
والمستفاد من هذا النص:
- إن أوامر الله تعالى ونواهيه لابد أن تكون المعيار في سلوك الفرد والمجتمع.
- إن كل كلام لا يطابق العقل هو باطل وعلى الإنسان المؤمن الإجتناب عنه؛ ومن أشكال الحديث الباطل الكذب والغيبة أو شهادة بغير حق والفناء نحو حرام بلا أدنى ريب.
ويقول تعالى في الآيتين الحادية والثلاثين والثانية والثلاثين من سورة حج المباركة:
حُنَفَاءَ لِلَّـهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴿٣١﴾
ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢﴾
يؤكد هذا النص على ضرورة الإجتناب عن كل عمل فيه شرك خاصة خلال مراسيم الحج التي هي مراسيم التوحيد وإن على كل إنسان أن يأتي بأعماله بكل إخلاص ومطابقاً للفطرة السليمة فطرة الله التي فطر الناس عليها.
نعم.. إن لم يكن العمل خالصاً لله جل جلاله فإنه يذهب هباءاً منثوراً.
إن التوحيد هو عقيدة التعالي إلى حيث ذات القدس الربوبي، أما الشرك فهو الهبوط والإبتعاد عن رحمة الله ورضوانه، إن من يلجأ إلى الله جل شأنه له الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، وأما من يقع في ورطة الكفر والشرك فليس له إلّا الذل والهوان والسقوط.
والدروس المأخوذة من هذا النص الشريف يمكن إجمالها في النقاط الثلاث التالية:
- إن الإتكاء على غير القدرة الإلهية فيه الفشل والسقوط مهما كانت تلك القدرة.
- إنما الأعمال بالنيات وإن لكل أمرءٍ ما نوى وما جدوى عبادة من دون نية خالصة حتى وإن كانت عبادة الحج.
- إن التمسك بحبل الله المتين والسير في طريق التوحيد فيه الأمان والإستقرار المادي والمعنوي للإنسان، بينما في الشرك إضطراب للروح والجسد.
ويقول تبارك وتعالى في الآيتين الثالثة والثلاثين والرابعة والثلاثين من سورة الحج المباركة:
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿٣٣﴾
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿٣٤﴾
نوا يحترزون من الإستفادة من الحيوانات التي يقدمونها أضاحي عند البيت الحرام فجاء هذا النص ليحل لهم ذلك. وفي النص إشارة إلى أن تقديم القرابين ليس مختصاً بالمسلمين، بل هو أمر رائج في أديان أخرى، وبالنسبة للمشركين فإنهم قد خلطوا هذه العقيدة الإلهية أي تقديم الأضاحي بالخرافات وإنهم حين الذبح كانوا يذكرون إسم الأصنام التي كانوا يعبدونها.
إن تقديم الأضاحي في الواقع هو تضحية في سبيل الله جل شأنه، هذا فضلاً عن الفوائد المادية لهذا العمل من خلال إطعام الفقراء والجائعين.
وفي هذا النص ما يشير إلى أهمية الإخلاص لله تعالى وأن النبي (ص) بشر المخلصين وأن لهم النعيم في عقبى الدار.
والآن إلى الدروس المأخوذة من هذا النص الكريم فهي:
- إن أوامر الله ونواهيه وأحكام الشرع الشريف ينبغي أن تنفذ من دون تدخل الأذواق النفسانية، ذلك أن إدخال الذوق في الحكم الإلهي إدخال للخرافة فيه وإبداع في الدين وقد نهى الإسلام عن البدعة، فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
- إن على الإنسان المؤمن أن يتجنب الحرمات من المأكولات ومن ذلك اللحوم المأخوذة من حيوانات غير مذكاة أو غير مذبوحة طبقاً لأحكام الشرع المقدس.
ولنختم كلامنا هنا حول المحرمات والمجللات بقول للإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام، حيث قال (إن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم لمراضيه ويجعل مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه، آمين يا رب العالمين.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا إنتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وقد استمعتم إليها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
إلى اللقاء والسلام خير ختام.