بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله الهداة إلى الله.
حضرات المستمعين الأكارم السلام عليكم وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة حيث لا نزال معاً في رحاب سورة الحج المباركة وسنقدم لكم تفسير آيات أخرى منها ونبدأ بالآية السابعة عشرة التي نستمع إليه:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿١٧﴾
إن من أسماء يوم القيامة يوم الفصل، حيث فيه يفصل بين الحق والباطل ويظهر الدين الحق من سائر الأديان.
وفي هذه الآية كما إستمعتم، إشارة إلى أربعة جماعات من أهل الكتاب، هم اليهود والنصارى والصابئين والمجوس.
والصابئة الذين ورد ذكرهم في القرآن كذلك في الآية الثانية والستين من سورة البقرة، هم الذين يقولون أنهم أتباع النبي يحيى بن زكريا (ع) وإن هناك من يرى أن عقائدهم الدينية مزيج من عقائد اليهود والنصارى.
والصابئة نوعان الحرانيون وقد إندثروا، والمندائيون أو المغتسلة والمعروف عنهم أنهم يسكنون بالقرب من الأنهار.
أما المجوس الذين ورد ذكرهم في القرآن مرة فهم أتباع زرادشت، وقبل ميلاد المسيح (ع) بعدة قرون عاش زرادشت وكان له كتاب الأفستا، الزرادشتيون يقولون بمبدأي الخير والشر ويرمزان لهما على التوالي بـ(يزدان وأهريمن) وهم يقدسون النار ويتصورون أن كل شيء في الكون مكون منها، والمعروف عن المجوس أن معابدهم فيها مواقد النار التي تكون مشتعلة على الدوام.
وفي عودة للنص الشريف نقول أن المستفاد منه:
- إن الله تعالى شأنه يفصل يوم القيامة بين المؤمنين وغيرهم وهم المسلمون وغيرهم أصحاب الديانات التي مرت.
- إن من واجبنا الدعوة إلى الإسلام لكن لا ينبغي أن نتوقع أن الجميع يسلمون.
ويقول تعالى في الآية الثامنة عشرة من سورة الحج:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ ﴿١٨﴾
تبين هذه الآية خضوع الناس وكل ما في الوجود أمام قدرة الخالق المتعال والسجود لعظمته جل جلاله.
وإذا كان القرآن الكريم تحدث مرات عديدة عن حمد وتسبيح الموجودات في الكون لله تبارك شأنه فإن في هذا دلالة على الخضوع المطلق لكل المخلوقات أمام الخالق المتعال رب العالمين عزوجل.
ولعل من الممكن القول أن هذا الخضوع هو السجود التكويني لذات القدس الربوبي، سجود من كل الكائنات الحية وغير الحية للواحد القهار، وعليه لا فرق هنا بين المؤمن والكافر، فالجميع خاضعون لنظام الخلق العظيم.
وإذا كان هذا معنى السجود التكويني، فهناك السجود التشريعي وهو يصدر عن الموجودات ذات الشعور [حسب التعبير القرآني] ويشمل الملائكة والناس، وحيث أن الله تعالى خلق الإنسان مختاراً فله أن يؤمن أو يكفر ومن كفر فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
والمستفاد من هذه الآية المباركة:
- إن كل الوجود خاضع للإرادة الربانية وعلى الإنسان أن لا يشذ عن هذه القاعدة الإلهية.
- إن العزة لله جميعاً أنه تعالى شأنه يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
ولنستمع الآن إلى تلاوة الآيات 19 إلى 21 من سورة الحج المباركة:
هَـٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴿١٩﴾
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴿٢٠﴾
وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴿٢١﴾
في النص إشارة إلى أن من يلبس لحرب الإسلام لباساً يكون له يوم القيامة ناراً يشوي جسده.
أما سيوف الكفار التي خرجت من أغمدتها لحرب المسلمين فهي يوم القيامة مطارق على رؤوس الكفار ومن سل سيف البغي قتل به، إن جهنم هي عاقبة الكافرين يسقون منها الحميم، بئس الشراب وساءت مرتفقاً.
وأخيراً ها هي الدروس المأخوذة من هذا النص المبارك:
- لا صلح بين الإسلام والكفر أو بين الإيمان والشرك.
- إن عذاب جهنم عذاب مهين وليس بوسع أحد تحمله.
نسأل الله جل جلاله أن يوفقنا لطاعته ويجنبنا معصيته ليتفضل علينا بجنات النعيم.
اللهم ثبتنا بالقول الحق في الدنيا والآخرة، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، آمين يا رب العالمين.
حضرات المستمعين الأفاضل حتى اللقاء التالي من نهج الحياة نترككم في رعاية الله وحفظه والسلام خير ختام.