بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبي الهدى والرحمة وخاتم المرسلين أبي القاسم محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في حلقة جديدة من سلسلة حلقات نهج الحياة.
أعزاءنا.. لقد نهينا تفسير سورة الأنبياء (ع) وها نحن نشرع في هذه الحلقة بتفسير سورة الحج وهي السورة الثانية والعشرين حسب ترتيب سور القرآن الكريم، ولنستمع أولاً إلى تلاوة الآيتين الأولى والثانية من هذه السورة المباركة:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾
النص الشريف يتحدث عن أهوال يوم القيامة في دعوة للناس إلى عدم الإنكباب على الدنيا والغفلة عن الآخرة، فينبههم إلى حقيقة أن زلزلة يوم القيامة شيء عظيم يدخل الخوف والهلع في النفوس، حتى أن الناس يبدون سكارى وما هم بسكارى.
والمراد من قوله يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، المعنى الواقعي وربما أريد منه المعنى المجازي من إستيلاء الخوف لشدة هول يوم الجزاء؛ نستجير بالله وإياكم من ذلك.
والمستفاد من هذا النص:
- إن التقوى والإيمان هما السبيل إلى النجاة في يوم القيامة.
- الإيمان بيوم الجزاء وإستذكاره باستمرار من العوامل التي تردع الإنسان عن المعاصي وتدفعه للصالحات.
ويقول جل جلاله في الآيتين الثالثة والرابعة من سورة الحج الشريفة:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ﴿٣﴾
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ ﴿٤﴾
في هاتين الآيتين إشارة إلى أن بعض الناس بتعصبهم يجادلون الحق؛ التعصب هذا منشأوه الجهل وجهل هؤلاء يؤدي بهم إلى إنكار الله الخالق المتعال وإنكار الآخرة ويوم القيامة.
والحقيقة أن من علل الكفر إتباع هوى النفس ووسواس الشيطان والإبتعاد عن العلم والمعرفة والعقل.. واضح أن من يسير في طريق الشيطان لا يهدي إلى سواء السبيل؛ فهو طريق الباطل الموصلة إلى جهنم وبئس المصير.
والدروس المأخوذة من هذا النص نوردها في ثلاث نقاط هي:
- إن الجدال القائم على أساس المنطق لا إشكال فيه والمحرم هو الجدال الذي مصدره التعصب أنه مذموم لأنه لا يوصل الإنسان إلى نهاية مقبولة.
- إن منشأ الكثير من حالات الكفر هو الجهل والتعصب الذي يعمي الألباب والأبصار.
- إن الشيطان يضل عباده وإن سلطانه على الذين اتبعوه، ولا سلطان له على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.
ولنصغي إلى نص الآيتين الخامسة والسادسة من سورة الحج:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴿٥﴾
ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٦﴾
إن هذا النص المبارك يورد دليلين على إمكانية حدوث المعاد الذي هو أصل أساسي من أصول الدين بعد التوحيد والنبوة.
وهذان الدليلان، كما هو واضح من النص، مراحل خلق الإنسان وتطور الجنين في بطن أمه والثاني التحول التي تشهده الأرض حين إنبات النبات فيها، وواضح أن الإنسان يلحظ هذين التحولين على الدوام في حياته.
لقد تحدث القرآن الكريم هنا حول الأدوار التي يمر فيها الجنين بعد إنعقاد نطفته حتى صيرورته طفلاً كاملاً، وفي هذا دليل على المعجزة الإلهية، فقبل أكثر من 14 قرناً أبان القرآن الكريم ما أبانه العلم والطب الحديث اليوم باستخدام الأمواج فوق الصوتية [السونوغراف] وفي عودة إلى النص نقول أنه يشير كذلك إلى الحياة بعد التولد التي تبدأ بالطفولة ومن ثم الصبا والشباب ثم يبدأ العد التنازلي في حياة الإنسان بالكهولة والشيخوخة وأرذل العمر والموت من بعده.
وهكذا يمضي الإنسان دورته في الحياة الدنيا التي منها ينتقل بالموت إلى الحياة البرزخية ومن بعد ذلك الحياة الأخروية وهذا كله أدلة واضحة على قدرة الله المتعالية.
وفي هذا النص إشارة إلى إحياء الأرض بعد موتها، إحياؤها في فصل الربيع بعد موتها في فصل الشتاء، أن نزول المطر هو الذي يحيي الأرض بعد موتها وهذا المشهد الطبيعي صورة لمشهد يوم القيامة والحياة بعد الموت.
وآخر ما نذكره في هذه الحلقة الدروس المستقاة من هذا النص فهي:
- ليس لمنكري المعاد من دليل أن إنكارهم قائم على مجرد شك.
- إن الإنسان المؤمن يهديه إيمانه إلى قبول المعاد، لكن علاوة على البصيرة تريه الباصرة أن المعاد آت لا محالة.
- إن أعلى مراحل الحياة البشرية مرحلة الشعور والمعرفة وأدنى مراحل عمر الإنسان مرحلة فقدان الشعور وغلبة النسيان.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشداً..
حضرات المستمعين الأفاضل، هكذا وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة من نهج الحياة إلى اللقاء والسلام خير ختام.