بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات، وأهلاً بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج ولا زلنا وإياكم في رحاب سورة الأنبياء المباركة، حيث نقدم لكم تفسيراً لبعض آياتها ونبدأ أولاً بالإستماع إلى تلاوة الآيتين الرابعة والسبعين والخامسة والسبعين، حيث يقول تعالى شأنه:
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ۗ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴿٧٤﴾
وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٧٥﴾
بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن الخليل إبراهيم (ع) تأتي هاتان الآيتان لتتحدثا حول نبي آخر من أنبياء الله، إنه النبي لوط (ع).
وفي هذا النص يتجلى واضحاً أن الباري تبارك شأنه مهد سبل هداية الناس على يد لوط (ع) وأن الله جل جلاله إنما إختار لوطاً نبياً لما وجد فيه من الجدارة لتحمل إعباء النبوة فأعانه وجهزه بما يحتاجه.
ومن الجدير أن نذكر أن قوم لوط إضافة إلى كفرهم كانوا يمارسون الموبقات ويتعاطون الشذوذ الجنسي، ولما نزل العذاب الإلهي على اولئك القوم، أنجى الله نبيه من بينهم.
ويستفاد من هذا النص أمران:
- قد يعفو الله برحمته الواسعة عن من يرتكب الإثم، بيد أن إتيان الإثم بشكل جماعي والإصرار عليه مدعاة لنزول العذاب الإلهي كما حدث لقوم لوط وقوم نوح.
- إن رحمة الله تحف على الدوام أهل الإيمان والذين هم على جادة الصواب.
ويقول تعالى في الآيتين السادسة والسبعين والسابعة والسبعين من سورة الأنبياء (ع):
وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿٧٦﴾
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٧٧﴾
بعد أن تحدث القرآن الكريم حديثاً مفصلاً حول ابراهيم (ع) وآخر مجملاً حول لوط (ع)، يأتي الحديث عن نبي آخر من أنبياء الله، إنه النبي نوح (ع) المبعوث من قبل زمن إبراهيم وقد جاء لهداية قوم معاندين، قلما كانوا يقبلون الحق.
لم يصدق قوم نوح نبوءته – عليه السلام – وكانوا يصرون على غيهم وضلالهم، وبعد ما يقرب من ألف عام قضاها في الدعوة إلى الله جل وعز، طلب نوح من ربه إنزال العذاب على قومه المعاندين ونزل العذاب بهؤلاء، فجاء الطوفان الذي لم ينتج منه إلا نوح والثلة المؤمنة التي ركبت في فلكه.
ويفيدنا هذا النص التالي:
- إن في تاريخ الماضين دروس وعبر للأتقياء والأشقياء على حد سواء.
- إن المجتمع الغارق في بحر الفساد لابد أن يحل به العذاب يوماً ما، وما ربك بظلام للعبيد.
وآخر آية نفسرها في هذه الحلقة هي الآية الثامنة والسبعين من سورة الأنبياء (ع)، يقول تعالى:
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴿٧٨﴾
في هذا النص القرآني الشريف إشارة إلى نبيين آخرين، هما داوود وسليمان عليهما السلام؛ وكان لهما رأيان مختلفان حول مسألة ما على أن الله تعالى أيد رأي سليمان (ع).
وجاء في التفاسير أن قطيعاً من الغنم دخل ليلاً مزرعة عنب وأكل من ثمارها وورقها، وشكى صاحب المزرعة الأمر إلى داوود (ع) فقضى بأن يعطي صاحب القطيع كل أغنامه لصاحب المزرعة، وجاء حكم سليمان مغايراً لحكم أبيه، حيث حكم بأن يدفع صاحب الغنم منتوجات غنمه من اللبن والصوف لمدة عام إلى صاحب المزرعة لأن الغنم أضر بمحاصيل المزرعة لا بأصلها. وبواسطة هذا الحكم يعود الحق إلى نصابه دون إلحاق الضرر بصاحب الأغنام.
ومن يتأمل في هذين الحكمين يرى أن كلاهما على سبيل رد الحق إلى أصحابه.
وإليكم الآن الدروس المأخوذة من هذا النص قلنا أن نجعلها في نقطتين هما:
- أن في رد حقوق الناس إجراء للعدل في المجتمع.
- إن للقادة الربانيين مسؤولية جد مهمة في المجتمع، إنهم علاوة على إرشاد الناس وهدايتهم إلى طريق الصواب لابد أن يقوموا بالمهام التنفيذية في إقامة الحكم الإلهي على الأرض.
وهذا المعنى السامي المبارك جسده الرسول الأكرم (ص) في أول حكم إسلامي أقيم على الكرة الأرضية، وعلى هذا النهج الوضاء من بعده سار أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وإنه الهدف الأغر للإمام المنتظر في دولة عدله المباركة.
حضرات المستمعين الأفاضل نشكر لكم حسن الإصغاء إلى اللقاء والسلام خير ختام.