بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيد الخلائق أجمعين، خاتم الأنبياء والمرسلين مولانا أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام على حضرات المستمعين الأكارم يسرنا أن نقدم لكم حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة وفيها نعرض لكم تفسيراً موجزاً لآيات أخرى من سورة الأنبياء المباركة حيث نستمع أولاً لتلاوة الآيتين السادسة والأربعين والسابعة والأربعين من هذه السورة:
وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿٤٦﴾
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴿٤٧﴾
إن منكري يوم المعاد والقيامة هم الذين غرتهم الحياة الدنيا وهم بتعبير القرآن الصم البكم ذلك أنهم لا يسمعون قول النبي (ص) ولا يؤمنون بحقيقة الموت وإن رأته أعينهم، كما صرحت بذلك الآيتان السابقتان لهاتين الآيتين.
ويأتي هذا النص ليبين أن أمثال هؤلاء إن نزل عليهم في الدنيا من عذاب الله استيقظوا من نوم غفلتهم واعترفوا بما اقترفت أيديهم من ذنوب، لكن مثل اولئك الناس الذين تلوثت نفوسهم بالمعاصي مع هذا كله لا يتعظون، وإذا كان حال الناس هكذا في الدنيا، فإن في الآخرة تجزى كل نفس بما كسبت، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
ومن الواضح أن محكمة القيامة هي محكمة العدل الإلهي فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره وما ربك بظلام للعبيد.
وما يفيده هذا النص المبارك:
- أن نزول الغضب الإلهي في الدنيا هو الذي يجعل الإنسان يعترف بذنوبه، لكن الذين يتورطون في الغفلة والغرور لا يحملون معهم إلا ثقل المعاصي والآثام.
- إن الله تعالى عالم وعادل لا يغيب عن عمله شيء وإنه يحكم بالعدل يوم الحساب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ويقول جل جلاله في الآيتين الثامنة والأربعين والتاسعة والأربعين من سورة الأنبياء:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٤٨﴾
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴿٤٩﴾
إن سورة الأنبياء، كما هو واضح من إسمها، تتحدث حول أنبياء الله (ع) وكان الحديث حول التوحيد والمعاد في الآيات من الأولى حتى السابعة والأربعين ولعله جاء مقدمة لبيان رسالة الرسل القائمة على هذين الأصلين الرئيسيين.
وفي النص الذي تلي آنفاً إشارة إلى التوراة التي أنزلت على موسى (ع) أن الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم لها ثلاثة خصائص، إنها تفرق بين الحق والباطل وتدل على سبيل الله، ومن ثم تنير النفوس بنور الإيمان، وبعد ذلك فإن الكتب السماوية فيها الدروس والعبر وهي تذكر الإنسان بربه وخالقه، وفي هاتين الآيتين حديث حول المتقين الذين يذكرون الله سراً وعلانية.
والمستفاد من هذا النص:
- إن الأنبياء على قسمين، قسم منهم أصحاب الشرائع والكتب وقسم دعاة إلى هذه الرسالات الحقة.
- إن التحكم في الغرائز ليس دوماً دليل التقوى فقد يحارب الإنسان الغريزة المذلة استحياءاً لا على أساس التقوى، وبعبارة أخرى فإن علامة التقوى الخوف من الله لا من غيره والخوف منه تعالى شأنه لا في العلانية وحسب بل سراً كذلك.
وآخر آية نفسرها في هذه الحلقة هي الآية الخمسين من سورة الأنبياء (ع) وهي قوله تعالى:
وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ۚ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴿٥٠﴾
إن أهم خصوصية في الكتاب السماوي، هو التذكير، أليس القرآن يقول فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين، ورسالات أنبياء الله صلواته وسلامه عليهم أجمعين هي للتبشير والإنذار، وهي جرس استيقاظ النفس من سبات الغفلة والغرور وهذا ما يتحقق بالتذكير وإن بعثة الأنبياء في كل زمان هي لبناء الذات على طريق الإيمان بالله، وهذا الرسول الأكرم (ص) يقول للإنسانية جمعاء [إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق].
وأخيراً إلى الدروس المأخوذة من هذا النص، إذ هي:
- إن في تلاوة القرآن الكريم بركة ما بعدها بركة، بشرط أن يتعظ الإنسان من آيات هذا الذكر الحكيم.
- إن في الكتب السماوية دواءاً لكل أدواء النفس، فما أجدر بالإنسان أن يستشفي بالكتب السماوية وفي مقدمتها القرآن الكريم، ولهذا فإن الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يقول [الله الله في القرآن].
حضرات المستمعين الأفاضل، هكذا انتهت هذه الحلقة من برنامج (نهج الحياة) لكن تفسير سورة الأنبياء (ع) لم ينته ولنا متابعة له في قابل الحلقات، طبتم وطابت أوقاتكم والسلام خير ختام.