بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المصطفى الأمين المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته سفن النجاة ومصابيح الهدى في الهلكات، ثم السلام عليكم، حضرات المستمعين وأهلا بكم في حلقة أخرى وجديدة من نهج الحياة وتفسير موجز لآيات أخرى من سورة الأنبياء المباركة ونبدأ أولاً بالإستماع إلى تلاوة الآية الثلاثين من هذه السورة:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴿٣٠﴾
كما مرّ علينا في سابق الحلقات فإن العقل السليم يرفض تعدد الأرباب ويقر بوجود الرب الواحد الأحد والفرد الصمد وهو الله السميع العليم.
وتأتي هذه الآية والآيات من بعدها للإشارة إلى حكمة الباري وتدبيره في نظام الخلق، إنها تتحدث عن مشروع الخلق وتوضيح للكفار أن السموات والأرضين كانتا رتقاً ففتقناها، وحول معنى الرتق والفتق كان للمفسرين آراء نكتفي هنا ببيان إثنين منها.
يرى علماء الجيولوجيا أن العالم كان في البداية أشبه بسحابة ضخمة من البخار، وفي هذا الرأي يشاركهم علماء الفلك، وفي لحظة حدث ما يعرف بالإنفجار العظيم، نشأت المجرات والنجوم والكواكب ومنها مجرتنا درب التبانة والمنظومة الشمسية فيها والأرض جزء منها.
وهناك رأي يقول أن الله تعالى شاء أن تسقط الأمطار من السماء وتنبت النباتات على الأرض، وهذا ما تؤيده أكثر الأحاديث الشريفة المروية عن أهل البيت –عليهم السلام-.
ويتحدث النص حول خلق الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي، إذ لو لا الماء لما قامت الحياة، فهو عصب الحياة في كل زمان ومكان.
أما ما يستفاد من هذا النص فهو:
- إن التعرف على نظام الخلق يقود الإنسان الى معرفة الله تعالى وعلمه وقدرته.
- إن الماء أساس الحياة وهو أفضل نعمة مادية حباها الله الإنسان وسائر المخلوقات.
ويقول تعالى في الآيتين الحادية والثلاثين والثانية والثلاثين من سورة الأنبياء:
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴿٣١﴾
وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴿٣٢﴾
وفي هذا النص إشارة إلى تدبير الله تبارك وتعالى وإدارته لهذا الكون الشاسع الأطراف، حيث يتحدث القرآن الكريم حول الجبال الرواسي وفائدة وجودها على أن للجبال دور كبير في الحفاظ على الأرض من خطر الزلازل وتصد الجبال العواصف الترابية القادمة من الصحاري وتقف حاجزاً دون الرياح العاتية التي فيها طاقة تدميرية هائلة.
وعلى أي حال ليست الجبال، مهما علت وتكاثرت، مانعاً يحول دون تحرك الإنسان، بل أن بين الجبال سهول ووديان فيها للإنسان جم الفوائد، علاوة على الحركة وهذا أيضاً من نعم الله ذوالفضل العظيم.
ومن مميزات الأرض وجود الغلاف الجوي من حولها والغلاف الجوي يحمي الكرة الأرضية من خطر الشهب والنيازك القادمة من أرجاء الكون، وفي طبقات الجو طبقة تعرف باسم الأوزون التي تمتص الأشعة فوق البنفسجية الضارة القادمة من الشمس.
والدروس التي نأخذها من هذا النص هي كالتالي:
- إن خلق السموات والأرضين لم يأت صدفة، بل هو من تدبير الله وحكمته.
- هل لأحد أن يقبل أن الله يحفظ الأرض من التزلزل لكنه لا يحفظ الإنسان من التزلزل العقائدي والفكري؟! لا ريب أن الله بعث الرسل (ع) لحفظ الإنسان من زلزال العقيدة المدمرة.
- إن كل ما في السموات والأرضين هي علائم قدرة الله، جلت قدرته، لكن الكفار والمعاندين عميت أعينهم عن رؤية هذه القدرة التي لا نظير ولا مثيل لها.
ويقول تعالى في الآية الثالثة والثلاثين من سورة الأنبياء:
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ{33}
هذه الآية دليل ساطع على حسن تدبير الله تبارك اسمه لنظام الخلق، فحركة الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار إنما يتم بحكمة الله لا عبثاً.
وتفيدنا هذه الآية أمران:
- إن الليل والنهار نعمتان إلهيتان.
- إن حركة القمر حول الأرض وحركة الأرض حول الشمس دليل على قدرة الله وتدبيره.
نعم في الآيات السماوية خير مؤشر على عظمة الخالق المتعال.
حضرات المستمعين الأفاضل، نشكركم على متابعتكم إيانا في هذه الحلقة، دمتم سالمين والسلام خير ختام.