بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة ولا زلنا في رحاب سورة الأنبياء المباركة وقد أنهينا تفسير 20 آية منها، والآن نصغي إلى تلاوة الآيتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين من هذه السورة:
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ﴿٢١﴾
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿٢٢﴾
كما مر علينا في تفسير الآيات الماضيات فإن الله تبارك وتعالى خلق بحكمته هذا الكون وأبدع خلقه وأكمله، فليس في خلق ربنا جل وعلا أي نقص فهو الكمال المطلق لا يصدر عنه إلا الكمال المطلق.
ويأتي هذا النص دليلاً على أحدية الخالق المتعال الذي يستحق العبادة والخضوع دون غيره، وهنا نسأل كيف ساغ للمشركين أن يعبدوا أصناماً وأوثاناً صنعتها أيديهم من دون الله؟ وهل لهذه الجمادات القدرة على الخلق؟ لا ريب أنها لا قدرة لها إطلاقاً.
ثم هناك نقطة أخرى نستقريها من هذا النص وهي أن التناسق في مكونات هذا الكون الواسع والفسيح دليل على وحدانية الله تعالى وبتعبير القرآن الكريم (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) والمراد من التثنية هنا الأرض والسماء.
إن الله جل جلاله هو رب العرش العظيم، أي أن له القدرة اللامتناهية ليس لقدرته مثيل تبارك ربنا أحسن الخالقين.
أما الدروس التي نستفيدها من هاتين الآيتين:
- إن التناسق بين أجزاء الوجود دليل على وحدانية الخالق، الله تبارك اسمه.
- تعدد الإرادات مدعاة إلى تناقضها وتضادها، وقد تقضي الواحدة منها على الأخرى والنتيجة هو التبعثر في أجزاء الوجود والتشتت في أوصاله.
ويقول تبارك وتعالى في الآية الثالثة والعشرين من سورة الأنبياء:
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴿٢٣﴾
إن الخالق سبحانه وتعالى خلق الوجود على نسق واحد ويدير بانسجام، ولعل هذا هو المعنى المراد من قوله تعالى (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون).
ويفيدنا هذا النص الكريم، أمران:
- ليس في عمل الله أي نقص، حاشاه، وكيف وأنى للنقص أن يتخذ إلى عمل الرحمن طريقاً؟ لا والله لا يمكن أن يكون له طريق لأن فعل الرب الجليل عن حكمة فهو تعالى الحكيم العليم.
- إن الإنسان يسأل يوم الحساب عن أعماله ولابد أن يجيب عليها.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الرابعة والعشرين من سورة الأنبياء المباركة:
أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ۖ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٢٤﴾
وبعد أن يبين القرآن الكريم بكل وضوح الأدلة على التوحيد، تأتي هذه الآية الشريفة لتوضح أن على الكفار والمشركين أن يأتوا بدليل على عقيدتهم وأنى لهم الدليل وعقيدتهم باطلة لا يقومها أي برهان.
إن الشرك يأباه العقل والمنطق السليم وأن المشركين قد وجدوا آباءهم على الكفر وساروا وراء الشرك والكفر بتقليد أعمى مرده الجهل تارة والعناد أخرى وربما الإثنين معاً.
والواضح والجلي من النص أن عقيدة التوحيد ليست عقيدة المسلمين لوحدهم بل كل الأديان السماوية تدعوا إلى التوحيد وأكثر من ذلك، كل الأنبياء والرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من لدن آدم حتى النبي الخاتم محمد بن عبد الله (ص) رفعوا نداء السماء ونداء الوحي المبين (أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا).
والآن تعالوا لنتعلم الدروس السامية من هذه الآية الكريمة إذ في الإمكان إدراجها في النقاط الثلاث التالية:
- إن تعامل الأنبياء (ع) مع الكفار على أساس الإستدلال، فهم طلبوا من الكفار الأدلة على فزوعهم إلى الكفر وما كان عند الكفار في كل زمن ومكان من دليل، إذ لله الحجة البالغة.
- في الوقت الذي تبدو فيه عقائد الشرك مجردة من أي دليل ولا يدعمها برهان رصين، نوى أن عقيدة التوحيد تقوم على أحسن الدليل، ومن هنا كان الإنتصار دوماً للتوحيد، فكلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى والحمد لله رب العالمين.
- إن الحق والباطل تابعان للعقل والمنطق وليست الأكثرية أو الأقلية، فقد يكون أتباع الحق أقلية وأتباع الباطل أكثرية، وهذا الأمر ليس فيه مدعاة للقلق ولنا الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، حيث يقول: (لا تستوحشوا في طريق الحق لقلة سالكيه)
غفر الله لنا ولكم ووفقنا وإياكم لمراضيه وجعل مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه والسلام خير ختام.