بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين محمد بن عبد الله وآله الغر الميامين.
السلام على حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في هذا اللقاء القرآني الجديد، لا زلنا وإياكم في رحاب سورة الأنبياء المباركة وقد استمعتم حتى الآن إلى تفسير 15 آية منها، ولنا متابعة لهذا التفسير في هذه الدقائق حيث نبدأ بالإستماع أولاً إلى تلاوة الآيتين السادسة عشرة والسابعة عشرة من سورة الأنبياء:
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴿١٦﴾
لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴿١٧﴾
تحدثت الآيات السابقة لهاتين الآيتين عن العذاب الذي يحل بالظالمين في الدنيا، وتأتي هاتان الآيتان للتنبيه إلى أن الظالمين يتصورون أن الله تعالى شأنه خلق هذه الدنيا عبثاً والعياذ بالله.
ومن هنا فإن هذه الفئة من الناس تتنصل من المسؤوليات وتسير وراء الشهوات وتتصور أن الدنيا ما هي إلا لهو ولعب، ولابد من القول أن الذين ينكرون المبدأ والمعاد وينكرون الخالق المتعال يرون أن هذا العالم وجد صدفة أو خلق بلا هدف وأن مصيره مجهول، بينما تؤكد آيات القرآن الكريم أن خالق الكون هو الله جل شأنه خلقه وأبدعه وأحسن تصويره وأن له نهاية كما كانت له بداية وأن الله تعالى خلقه من فيض رحمته كما كان الإنسان قد خلق من فيض هذه الرحمة الربانية.
وإذا كان هذا العالم من دون هدف فكيف يكون للإنسان هدف؟ وعلى أي حال فإن المستفاد من هذا النص هو:
- إن الله خلق الوجود بهدف وليس للإنسان أن ينكر هذه الحقيقة ويتصرف كما يشاء.
- إن الظلم والجور يجعلان الإنسان يتصور أن أعماله من دون حساب، إنه إما أن ينكر يوم المعاد أو يوم الحساب أو يغفل عنه وهو في كلا الحالتين خاسر لا ريب.
ويقول تعالى في الآية الثامنة عشرة من سورة الأنبياء:
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴿١٨﴾
إن الذي توضحه هذه الآية المباركة أن الله خلق العالم بعلمه وحكمته وأقامه على أساس الحق وأنه ليس للباطل في خلق الله مكان.
إن الحق قائم والباطل مهما طال به الأمد زائل لأن الله تعالى يقول (قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً) صدق الله العلي العظيم.
ولنا أن نسأل كيف يتصور البعض أن الكون وجد عبثاً، هل لهم دليل على ما يقولون، وأنى للصدفة أن تأتي بمثل هذا الخلق الرائع؟
إنه لا ريب صنع الله العزيز الحكيم وعلينا أن نتدبر في صنعه جل وعلا.
والدروس التي نأخذها من هذه الآية هي:
- إن الحق منتصر والباطل منكسر، هكذا اقتضت سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
- بما أن الإنسان خلق مختاراً لا مجبراً على أفعاله فإنه قد يقيم بظلمه للباطل بنياناً، لكن بنيان الباطل زائل والأمر كله لله جل جلاله.
ويقول تعالى في الآيتين التاسعة عشرة والعشرين من سورة الأنبياء المباركة:
وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ﴿١٩﴾
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴿٢٠﴾
تؤكد هاتان الآيتان على المالكية أو الملكية المطلقة لله تعالى شأنه على عالم الوجود برمته.
أليس كل الخلائق من الإنس والجن والملائكة قد وجدوا بأمر الله وبمنه وفضله الكريم؟ إن الله تعالى بقدرته الواسعة مالك الكون وما فيه وهو المهيمن، سلطانه فوق كل سلطان والله ليس بحاجة إلى عبادة أحد وإن يكفر الجميع فإن الله هو الغني الحميد.
وفي رحاب القدس الإلهي وملكوت الجلال الربوبي تسبح لله الملائكة بكرة وعشياً سبحانك ربنا سبحانك تباركت وتعاليت أنت الغفور الودود وأنت الكريم المنان تفضل علينا من رحمتك يا أرحم الراحمين.
إن الدعوة أيها الأعزاء إلى العبادة هي لتكامل الإنسان ورقيه في الدارين الدنيا والآخرة وهذه من فيوضات التوجهات الربانية على المخلوقات البشرية.
وقبل أن نختم هذه الحلقة من نهج الحياة نشير إلى الدروس المستقاة من هذا المنهل العذب فهي:
- إن جذور ترك العبادة كامنة في التكبر وإذا كان التكبر أمام الآخرين صفة مذمومة فأي معنى له يا ترى أمام الخالق المتعال؟
- كلما اقترب الإنسان من الله تعالى شأنه، زادت معرفته وأقبل على العبادة بنفس مشتاقة وإنه لايحس بعد ذلك بالتعب والملل والكلل، وقد جسد أئمة الهدى (صلوات الله وسلامه عليهم) هذا المعنى المبارك في حياتهم الشريفة، حيث في بيوتهم تلاوة القرآن تسمع في كل آن وصلواتهم هي المعراج إلى الله في كل زمان.
جعلنا الله وإياكم من المتمسكين بعروتهم فهي العروة الوثقى وهم عدل القرآن لن يضل من تمسك بهما، غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم.