بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين والسلام عليكم حضرات المستمعين وأهلا بكم في حلقة أخرى وجديدة من نهج الحياة.
كنا قد فسرنا تفسيراً موجزاً حتى الآن 104 آيات من سورة طه الشريفة، ونقدم لكم في هذه الحلقة تفسير آيات أخرى منها، ونبدأ بالآيات 105و106و107 وهي قوله تعالى:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴿١٠٥﴾
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴿١٠٦﴾
لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴿١٠٧﴾
في الآيات السابقة من هذه السورة جاء الحديث عن نهاية العالم ويوم القيامة، وتتحدث هذه الآيات حول وضع الأرض في يوم القيامة، حيث سأل الناس، وربما يسألون في كل زمن، إلى أين يكون مصير هذه الجبال الراسيات؟ ويأتي الجواب من منبع الوحي المبين، إن الله جل جلاله وبقدرته يزيل هذه الجبال من أماكنها بحيث تذر في الهواء وتصبح هباءاً منثوراً.
والمستفاد من التفاسير أن الأرض تصبح ممهدة السطح لا علو فيها لجبل أو هضبة، وعلى ما يبدو فإن زلزالاً عنيفاً يهز الأرض ويقضي على كل شيء فيها، وهذا المعنى واضح جلي من قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها...) وهكذا تقع القيامة ويحيي الله الموتى ويبعث من في القبور للمثول في حضرة القدس الربوبي.
والمستفاد من هذا النص أمران:
- إن النظام الدنيوي يتلاشى في يوم القيامة ويحل محله نظام آخر.
- إن الكون كله بيد قدرة الله تعالى وإرادته التكوينية جل شأنه نافذة في الكون وأزمة الأمور طراً بيده تبارك شأنه وعز اسمه.
ويقول تعالى في الآية الثامنة بعد المئة من سورة طه المباركة من سورة طه المباركة:
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴿١٠٨﴾
إن يوم المعاد والقيامة يبدأ بالنفخ في الصور من قبل أحد الملائكة المقربين، وهو اسرافيل، حيث يدعى الخلائق إلى صحراء الحشر، ومن الطبيعي أن يوم القيامة يوم الأهوال العظيمة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل إمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ويفيدنا هذا النص:
- إن القيامة يوم تجلي عظمة الله، حيث الجميع لعظمته خاضعون ولأمره مسلمون.
- نعم، الكل في هذا اليوم العصيب إلى قدرة الله منقادون وعن الحضور في محكمة عدله لا يتخلفون.
ويقول تعالى في الآية التاسعة بعد المئة من سورة طه الشريفة:
يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴿١٠٩﴾
أجل، مع هول المشهد العظيم يوم الدين، نرى النفوس حيارى والقلوب مضطربة لكن هذا لا يعني اليأس من رحمة الله تعالى فرحمته جل جلاله وسعت كل شيء والناس في هذا اليوم يطلبون الشفاعة ليغفر الله لهم ذنوبهم.
وتصرح هذه الآية بأن الله يأذن لبعض عباده بالشفاعة للمذنبين، ومن هؤلاء الأنبياء والملائكة والشهداء والصالحين، وفي الحقيقة أن الشفاعة برنامج تربوي إلهي، إنه يفتح نافذة الأمل في النفوس كي لا يستولي اليأس عليها.
وجعل الله الشفاعة في الدنيا وفي الآخرة وهي بشرط الندم والتوبة من الذنب، أما أن يأتي الإنسان يوم القيامة وقد أثقل كاهله بالذنوب ولم يتب عنها فليس له شفاعة أبداً.
وحكمة تشريع الشفاعة هو ترسيخ إعتقاد الناس بالأولياء والصالحين، ومن يتوقع شفاعة محمد وآل محمد في الآخرة لابد أن يسير على خطاهم الكريمة، وقد ورد في زيارات المعصومين عليهم السلام طلب الشفاعة منهم، لكن بشرط الإقلاع عن الذنب والتعهد بعدم الإقبال على المعصية مرة أخرى.
إن الأساس في يوم الجزاء هو عمل الإنسان لا الشفاعة، وكل نفس بما كسبت رهينة ولا تجوزون إلا ما كنتم تفعلون؛ إن الشفيع والمستشفع وموارد جواز الشفاعة كلها بإذن الله تعالى.
وما نأخذه من هذا النص من دروس هي:
- ليست الشفاعة أمر في قبال أمر الله وإرادته، بل هي بإذنه وإجازته.
- إن الشفاعة إحدى السنن الإلهية في يوم القيامة، ويتم الإعداد لها في الدنيا بواسطة التمسك بالثقلين، القرآن والعترة الشريفة.
اللهم اجعلنا من المتمسكين بحبل محمد وآل محمد في الدنيا ومن الذين تنالهم شفاعتهم في الآخرة، آمين يا رب العالمين.
طبتم وطابت أوقاتكم بالخير حضرات المستمعين والسلام خير ختام.