بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل السفراء المقربين، أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في حلقة أخرى وجديدة من برنامج نهج الحياة، حيث نقدم تفسيراً موجزاً لآيات أخرى من سورة طه المباركة بادئين بالآية التاسعة والتسعين وهي قوله تعالى:
كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ۚ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا ﴿٩٩﴾
تأتي هذه الآية الشريفة خطاباً لرسول الله (ص) وتبين أن الوحي الذي نزل عليه يراد منه إعطاء الدروس والعبر لبني الإنسان في كل زمان ومكان، ولا ريب ولاشك أن بيان أخبار الماضين هو أسلوب تربوي مؤثر لأن التاريخ مرآة عاكسة للأحداث المختلفة التي تمر بها الأمم في مختلف العصور.
وما يستفاد من هذا النص أمران هما:
- إن أحسن القصص، قصص القرآن، لأنها من عند الله ومخاطبها الرسول الخاتم (ص) وهي كلها حقيقة ليس للخيال فيها مكان.
- إن القرآن وهو يعرض أحداث الماضين، يصونها من التحريف وأقاويل الباطل، كيف لا وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن العزيز الحكيم.
ويقول تعالى في الآية المئة والآية الأولى بعد المئة من سورة طه:
مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ﴿١٠٠﴾
خَالِدِينَ فِيهِ ۖ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ﴿١٠١﴾
إن القرآن الكريم كتاب النور فيه الرشاد والسداد لبني البشر لكن المعاندين وبعنادهم لا يستضيئون بأنوار القرآن، ولذلك فإن عاقبتهم عاقبة السوء، ليس في الدنيا وحدها، بل وفي الآخرة كذلك.
إن الحياة الدنيا حياة زائلة مهما طالت، لكن الآخرة هي دار البقاء، وما أصعب حال الإنسان وهو يحمل أوزاره في تلك الدار يوم يرد على رب الأرباب، والحسرة تأكل قلبه ولسان حاله يقول ياليتني قدمت لحياتي.
والمستفاد من هذا النص هو:
- إن الإثم يتجلى يوم القيامة وزراً ثقيلاً ويجعل صاحبه في ضيق.
- إن آثار الإثم لا تنمحي، هذا مع الإصرار عليه وعدم التوبة منه، والإثم والمعصية يقودان الإنسان إلى النار التي يبقى فيها خالداً.
نسأل الله أن يقينا جميعاً ناره ويوفقنا لطاعته ليتفضل علينا بجنته إنه أكرم مسؤول.
ولنستمع الآن إلى تلاوة الآيتين الثانية والثالثة بعد المئة من سورة طه المباركة:
يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ﴿١٠٢﴾
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴿١٠٣﴾
يوضح هذا النص وضع المجرمين يوم القيامة، حيث يبدأ يوم القيامة بالنفخ في الصور من قبل أحد الملائكة المقربين، أي (إسرافيل)؛ ولعل النفخ في الصور، كما هو مدلول بعض الآيات الأخرى، وقوع صيحة شديدة هي الحد الفاصل زمنياً بين الدنيا والآخرة.
إن المجرمين يحشرون يوم القيامة بأجساد نحيفة وعيون عمياء، إن الحياة الدنيا والحياة البرزخية لهؤلاء الظالمين لا تتعدى في أعينهم إلا أياماً، ومن بعد ذلك يساقون إلى سوء العقاب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والذي يفيده إيانا هذا النص:
- على الإنسان أن يتدبر في أعماله ويجعل من دنياه مزرعة لآخرته.
- علينا أن لا نضعف أمام الظالمين، فليس الضعف والذلة إلا لهم.
وآخر آية نفسرها في هذه الحلقة هي الآية الرابعة بعد المئة من سورة طه:
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴿١٠٤﴾
إن الحياة الدنيا، حياة زائلة والحياة الآخرة حياة باقية، ومهما طال عمر الإنسان فمصيره إلى الفناء (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذوالجلال والإكرام).
والذي نأخذه من هذا النص أمران:
- إن العاقل اللبيب هو الذي يدرك جيداً أن عمر الدنيا قصير.
- إن الله تعالى أوضح للإنسان أن متاع الدنيا متاع قليل.
وهذه الدنيا هي كما قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام مخاطباً لها: "عمرك قصير وخطبك كبير وعيشك حقير" ولنا في هذا الكلام العلوي الرفيع أفضل الدروس وأسمى العبر.
اللهم وفقنا لمرضاتك وسددنا لطاعتك على هذا نموت ونحيا إن شاء الله؛ دمتم ودامت لكم الأوقات بالخيرات والسلام على من اتبع الهدى.