بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد القهار وأفضل الصلاة والسلام على النبي المصطفى المختار وعلى أهل بيته الطيبين الأطهار.
السلام عليكم حضرات المستمعين الكرام وأهلاً بكم في حلقة أخرى وجديدة من نهج الحياة.
لا زلنا وإياكم في رحاب سورة طه المباركة، حيث أنهينا لحد الآن تفسير 94 آية من هذه السورة، وفي هذه الدقائق بودنا عرض تفسير موجز لآيات أخرى منها، حيث نستمع أولاً إلى تلاوة الآيتين الخامسة والتسعين والسادسة والتسعين:
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ﴿٩٥﴾
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴿٩٦﴾
في الحلقة الماضية كنا قد ذكرنا أن موسى عليه السلام لما رجع من جبل الطور، وجد الكثير من قومه قد تركوا عقيدة التوحيد وراحوا يعبدون الأصنام، أو بعبارة أدق، عجل السامري.
إن السامري الذي صنع العجل الذهبي، هو السبب المباشر للإنحراف عن جادة الصواب، ومن هنا بين النص أن موسى عليه السلام يوجه بسؤاله هذه المرة إلى السامري وأراد أن يعرف منه السبب الذي دفعه إلى جر الناس إلى عبادة الوثن الذي صنعه.
وجاء جواب السامري لموسى (ع)، أني في البداية آمنت بأنك رسول الله من عند الله وتوضحت لي من الحقائق ما لم تتضح لغيري، لكن هوى النفس غلبني، فكان إن نبذت ما توصلت إليه من معرفة.
وقد جاء في الأحاديث أن الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه، وصف الحسن البصري (وفي إحدى خطبه لأهل البصرة) بأنه سيكون سامري هذه الأمة وإنه سيعمل على حرف الناس من بعده وإن كان في زمن الإمام سلام الله عليه يدون كلامه الشريف.
وأما المستفاد من هذا النص القرآني الشريف فهو:
- إن على القادة الدينيين الحذر والإحتياط، ذلك أن أمثال السامري يتواجدون في كل زمان ومكان.
- إن هوى النفس فيه الكثير من الأخطار على الإيمان، ومن يتبع هواه ينحرف عن الإيمان ومن الممكن أن يعمل على حرف غيره، وإن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر، كما ورد في الحديث الصحيح، [أعدى أعداءك نفسك التي بين جنبيك].
ويقول تعالى شأنه في الآية السابعة والتسعين من سورة طه المباركة:
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ﴿٩٧﴾
من الواضح أن إعتذار السامري أمام موسى عليه السلام كان واهياً، لا يسوغ ماارتكبه من إضلال الناس ولذلك أمر موسى (ع) بإبعاد السامري عقاباً على ما فعل، وقال له إنك تصاب بمرض مسري وتكون عاقبة أمرك نفور الناس عنك وعيشك عنهم منزوياً.
ومن الطبيعي أن هذا هو عقاب السامري في الدنيا، لكن له في الآخرة عذاب أليم، وليس عقاب الدنيا بحاجز عنه عقاب الآخرة وكل نفس بما كسبت رهينة وما ربك بظلام للعبيد؛ ومن بعد عقاب السامري أمر موسى عليه السلام بالقضاء على العجل الذهبي قضاءاً مبرماً.
وعلى هذا النهج الرباني سار سيدنا رسول الله (ص)، فحينما فتح مكة في العام الثامن للهجرة أمر (ص) بكسر جميع الأصنام التي كانت في الكعبة حتى وإن كان بعضها مصنوعاً من مواد ثمينة، ذلك أن إبقاء الأصنام فيه تداعي لعقيدة الشرك، وليست هي من قبيل الآثار التاريخية حتى يتم الإحتفاظ بها.
والآن لنأخذ الدروس من هذه الآية فهي:
- إن من أساليب رجال الإصلاح، طرد المفسدين من المجمتع وإن من واجب القادة الدينيين عزل دعاة الإنحراف عن المجتمع كي لا يضروا به.
- لابد من القضاء على آلات الإنحراف وتدميرها حتى وإن كانت ذات قيمة، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال، الحفاظ على مظاهر الكفر والشرك حتى وإن اتخذ أمر الحفاظ مسميات أخرى.
والآن نصغي إلى الآية الثامة والتسعين من سورة طه وهي قوله تعالى:
إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴿٩٨﴾
بعد أن طرد موسى عليه السلام السامري من قومه وقضى على أداة الإنحراف، أي العجل الذهبي، دعا قومه مرة أخرى إلى عقيدة التوحيد، مبيناً أن العبادة لابد أن تكون لله الواحد الأحد والفرد الصمد.
وأوضح موسى عليه السلام أن الله تعالى هو الجدير بالعبادة ، فهو الذي بيده الخير وهو الذي يدرأ عن الإنسان الشر وهو بكل شيء عليم.
وما يفيده إيانا هذا النص:
- من بعد القضاء على الباطل وألوانه القاتمة، لابد من إظهار الحق بألوانه الزاهية.
- إن الله تعالى هو العالم العليم يعرف كل شيء ولا علم كعلمه ولا قدرة كقدرته، تبارك ربنا ذوالجلال والإكرام.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا أنهينا هذه الحلقة من نهج الحياة، حتى الملتقى نستودعكم الباري تعالى والسلام على من اتبع الهدى.