بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير والدليل إلى الصراط المستقيم، خاتم الأنبياء المكرمين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين.
أسعد الله أوقاتكم بالخير حضرات المستمعين، هذه حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، وفيها نواصل تفسير آيات أخرى من سورة طه المباركة، ونبدأ بالإستماع إلى الآية السابعة والسبعين منها:
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ ﴿٧٧﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج تحدثنا عما حدث بين موسى عليه السلام والسحرة، وكيف أن السحرة آمنوا بالله تعالى وكفروا بفرعون؛ وتأتي هذه الآية الشريفة محدثة بحدث آخر مر على بني إسرائيل، حيث أخذ أتباع موسى عليه السلام، ومن بعد إنتصاره على فرعون والسحرة، يزدادون من يوم لآخر، فازدادت الضغوط على موسى وأتباعه من قبل فرعون وجماعته، واستمر الأمر على هذا الحال حتى أوحى الله تعالى إلى الكليم عليه السلام أن يخرج بني إسرائيل من مصر إلى بيت المقدس.
وكما هو واضح من نص الآية فإن الأمر الإلهي جاء إلى موسى عليه السلام بالخروج وبني إسرائيل من مصر ليلاً كي لا يعلم الأعداء بذلك، وأوحى الله تعالى إلى نبيه (ع) أيضاً بأن يضرب بعصاه ماء نهر النيل كي ينفتح وسط الماء طريق عبور بسلام.
وأما الدروس المستفادة من هذه الآية فهي:
- إن الهجرة في أرض الله الواسعة من أجل حفظ الدين والعقيدة أمر لازم، حتى وإن استلزم المشقة.
- إن من برامج الأنبياء والرسل عليهم السلام إنقاذ الناس من تسلط الظالمين من الفراعنة والآخرين.
ويقول تعالى في الآيتين الثامنة والسبعين والتاسعة والسبعين من سورة طه الشريفة:
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴿٧٨﴾
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ ﴿٧٩﴾
من بعد أن خرج موسى عليه السلام وبنو إسرائيل من مصر، وصل الخبر إلى الطاغية فرعون، فخرج في جيش لتعقبهم وحاصر الفراعنة موسى وأتباعه عند ما كانوا قرابة النهر؛ أتباع موسى عليه السلام في ذلك الوقت الحرج رأوا أن النهر من أمامهم والعدو من ورائهم وما كانوا يدرون ما المخرج من هذا المأزق، لكن الله تبارك وتعالى كان للظالمين بالمرصاد، حيث ضرب موسى عليه السلام الماء بعصاه فانشق في وسط النيل طريق لعبور بني إسرائيل ونبيهم عليه السلام.
وهكذا ساعدت المعجزة الإلهية على تخطي الأزمة البشرية، ومن بعد وصول موسى عليه السلام، زال الطريق الإعجازي الذي منه عبروا، وكان إن غرق فرعون وجيشه في الماء، فقد ثارت أمواج ماء النهر فأغرقت فرعون وأصحابه.
فرعون كان يرى نفسه رب أهل مصر ولم يفد هذا الرب المصطنع أتباعه في شيء، بل سار بهم إلى الغرق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والآن نستمع إلى الدروس المأخوذة من هذا النص ولنا أن نجملها في النقطتين التاليتين:
- إن كل شيء في هذا الكون هو في يد قدرة الله تعالى ومن ذلك الماء، وبأمر الله تعالى يكون الماء مفيداً وفيه النجاة وبأمره جل شأنه يكون ضاراً وفيه الهلاك.
- إن حكام أي مجتمع لهم الدور الأساسي في هداية الناس أو ضلالهم.
وآخر آية نفسرها في هذه الحلقة هي الآية الثمانين من سورة طه، حيث يقول أصدق القائلين في كتابه العزيز:
يا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ﴿٨٠﴾
تشير هذه الآية إلى النعم الإلهية التي حباها الله تعالى بني إسرائيل،وأول هذه النعم إنقاذ بني إسرائيل من جور فرعون وظلمه على يد موسى عليه السلام.
والمستفاد من كتب التفاسير أن جبل الطور هو محل نزول ألواح التوراة، في جبل الطور نزلت أنوار الهداية الربانية وفيه تجلت القدرة الإلهية، وإذا كانت الهداية إلى الحق المبين نعمة معنوية فإن الله تعالى أنزل من نعمه المادية على بني إسرائيل كذلك، ومن ذلك نزول المن والسلوى وفي الصحراء، حيث كان بنو إسرائيل في حيرة من أمر توفير الغذاء، فوفر الله تعالى لهم بقدرته العسل الطيب الطعم ولحم الطير اللذيذ، وما يفيده نص الآية الثمانين من سورة طه:
- إن الحرية والإستقلال هي من أكبر النعم وعلى الإنسان أن يعرف قدر هاتين النعمتين دوماً.
- إن من واجب الرسل والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، هداية الناس إلى سواء السبيل، لكن لابد من قبل ذلك توفير الأجواء اللازمة للهداية وذلك بتحرير الناس من قبضة الطغاة والظالمين.
- إن نعم الله كثيرة جداً وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها، وإذا كانت النعم الإلهية على نوعين مادية ومعنوية، بيدأن الأفضل هي النعم المعنوية.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه ويجعلنا من الشاكرين لنعمائه والصابرين على قضائه إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا أنهينا حلقة أخرى من نهج الحياة حتى لقاء آخر نترككم في رعاية الله وحفظه والسلام خير ختام.