بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، السلام عليكم، حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة، حيث نواصل تفسير آيات أخرى من سورة طه المباركة.
ونبدأ بالإستماع إلى تلاوة الآيتين الثانية والسبعين والثالثة والسبعين وهي قوله تعالى:
قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿٧٢﴾
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴿٧٣﴾
كما مر علينا في الحلقة الماضية، فإن السحرة الذين سخرهم فرعون للوقوف بوجه موسى عليه السلام لما رأوا من هذا النبي الكريم المعجزات، أيقنوا أنها من عند الله تعالى، جرت على يد نبيه سلام الله عليه، وهي ليست من ضروب السحر إطلاقاً.
نعم، إن قوة غيبية هي التي أحالت العصا إلى حية تسعى، ومن هنا آمن السحرة برب موسى، الله جل جلاله، وفي مقابل فرعون والملأ خروا لله ساجدين، ولما صرح السحرة بإيمانهم ولم يخفوا الأمر على فرعون إغتاظ هذا الطاغية وهددهم بشديد العذاب.
ويدلنا هذا النص على الأثر الإيجابي الذي يتركه الإيمان في نفس الإنسان، إذا يكون منه شخصية قوية متينة البنيان، السحرة وبكل جرأة قالوا لفرعون إننا بالله مؤمنون وإرعابك إيانا لا يجدي شيئاً ولن يثني عزمنا في مواصلة طريق الإيمان، لقد تسائل السحرة: هل لنا أن ننكر المعجزات الواضحة؟ وقالوا لفرعون إفعل ما شئت فإننا في طريق الإيمان ماضون.
نعم، أعطى هؤلاء المؤمنون فرعون درساً بليغاً في أن الحياة الدنيا زائلة لا محالة مهما كان فيها من جبروت وإن الآخرة هي الحياة الدائمة وأن الأمر كله لله جل شأنه.
وطلب السحرة من الله تعالى أن يغفر لهم ذنوبهم، ذلك أنهم في البداية إنصاعوا لأمر فرعون من أجل التغلب على موسى عليه السلام حسبما كان يتصور فرعون الظالم.
والآن إلى الدروس المستفادة من هذا النص الشريف، ويمكن أن نجملها في النقاط الثلاث التالية:
- إن قيمة الإنسان بفكره وعقيدته وإنه لا يمكن أن نغير عقائد الناس بالتهديد والتطميع.
- إن علامة الإيمان الحقيقي هو الإستعداد من أجل التضحية بكل شيء في طريق الذود عن المقدسات الدينية والإلهية.
- إن قوة أي جبار على الأرض هي لا شيء أمام قدرة الله العظيم المتعال ومن يكن مع الله لا يخاف من أحد أبداً.
ولنصغي الآن إلى تلاوة ثلاث آيات أخرى من سورة طه الشريفة هي الرابعة والسبعين والخامسة والسبعين والسادسة والسبعين:
إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ﴿٧٤﴾
وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ ﴿٧٥﴾
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ ﴿٧٦﴾
لاحظنا كيف أن فرعون رغب السحرة في الوقوف بوجه الكليم عليه السلام، وقال لهم إن فعلتم ما أردته منكم، فإنكم في بلاطي من المقربين، لكن ما جدوى القرب من الطغاة، أليس فيه الخسران المبين؟ وفي المقابل فإن القرب من ذات القدس الربوبي ورب الأرباب فيه الفوز العظيم وجنات النعيم.
إن فرعون الطاغية هدد السحرة بأن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبهم، وإذا كان هذا عذاب الطغاة لمعارضيهم فإن عذاب الله جل جلاله للكافرين لشديد، إذ أن لهم جهنم وهي بئس المأوى وبئس المصير.
وعلى أي حال فإن المهم هنا هو التغيير الذي حصل في نفوس السحرة، والذي جعلهم يؤمنون بالله العزيز الحكيم، وفي تعامل السحرة ما يومئ إلى قدرة الإنسان على إيجاد تغيير أساسي في فكره وعمله.
ومن الضروري أن نذكر هنا أن قصة إيمان السحرة برب موسى جل جلاله فيها من الدلالة على أن الإنسان ليس عاجزاً عن التحرر من أسر المجتمع وظروف البيئة المحيطة به، بل إنه قادر على أن يحكم عقله في الأمور.
وما تفيده الآيات الثلاث المباركات هو:
- إن للإنسان الإرادة والإختيار وله أن يخرج من الكفر إلى الإيمان أو يغادر دنيا الإيمان إلى ظلمات الكفر، لا قدر الله.
- إن عاقبة الأمر هي المهمة في حياة الإنسان، فقد ترى من عاش في الكفر عمراً وختم حياته بالإيمان وقد ترى من عاش مؤمناً وختم حياته بالكفر.
- التقوى والتزكية هي سبيل الوصول إلى السعادة في الدارين الدنيا والآخرة.
اللهم اجعل عاقبة أمورنا إلى خير ووفقنا لما تحب وترضى، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
حضرات المستمعين الأفاضل، هكذا انتهت هذه الحلقة من نهج الحياة، نشكر لكم حسن المتابعة والإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.