البث المباشر

تفسير موجز للآيات 67 الى 71 من سورة طه

السبت 7 مارس 2020 - 05:04 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 548

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله وأشرف بريته سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الطاهرين الهداة إلى الله.

السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته، مرة أخرى نجتمع وإياكم حول منار الهداية والرحمة، القرآن الكريم ونقدم لكم تفسيراً موجزاً لآيات أخرى من سورة طه المباركة، ولنستمع أولاً إلى تلاوة الآيات السابعة والستين والثامنة والستين والتاسعة والستين، إذ يقول جل جلاله؛

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ ﴿٦٧﴾

قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ ﴿٦٨﴾

وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ ﴿٦٩﴾

في الحلقة الماضية ذكرنا أن فرعون ومن أجل مواجهة موسى عليه السلام من جهة، وإثبات قدرته من جهة أخرى، أمر بجمع السحرة من أرجاء مصر وطلب إليهم أن يلقوا ما عندهم من سحر أمام موسى عليه السلام، ولم يتردد نبي الله موسى عليه السلام في قبول هذا الطلب، لا بل إنه حضر في المكان والزمان اللذين حددا لهذه المباراة، وكان إن طلب موسى عليه السلام من السحرة أن يلقوا ما عندهم.

نعم، فرعون طلب هذا الأمر وموسى (ع) طلبه كذلك، الأول أراد الباطل والثاني أراد الحق، وألقي السحرة ما عندهم وجاءت آلات سحرهم كأنها الحية التي تسعى، لما رأى موسى عليه السلام هذا المشهد أحس بشيء من القلق كما هو ظاهر النص الشريف، في الحقيقة لم يكن موسى عليه السلام خائفاً، بيدأنه ما كان يريد أن يختلط الأمر على الناس فيتصورون أن لا فرق بين السحر والمعجزة الإلهية.

وفي تلك الأثناء، أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام ما مؤداه: أن لا تخف ولا تحزن إنا ناصروك عليهم، فألق بعصاك إلى الأرض لتبتلع كل ما عند السحرة.

وأما الدروس المستفادة من هذا النص الشريف فهي:

  •  لابد من بعث روح الأمل والتفائل في نفوس أتباع الحق إذا ما أحسوا بالخوف أو القلق، ذلك أن الله تعالى ناصر الحق على الباطل ولو كره الكافرون.
  •  إن في كل زمان يوجد من يقوم بخداع الناس، لكن عاقبة الأمر للقادة الربانيين، حيث أن عاقبة الخادعين الخزي والعار وعاقبة الربانيين الفتح والإنتصار.

والآن نستمع إلى تلاوة الآية السبعين من سورة طه المباركة وهي قوله تعالى:

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ ﴿٧٠﴾

بعد أن ألقى موسى عليه السلام عصاه بأمر الله، تحولت بإذنه تعالى إلى حية ابتلعت كل أدوات السحر عند أتباع فرعون؛ السحرة لما رأوا هذا المنظر أيقنوا أن ما فعل موسى عليه السلام ليس من السحر في شيء، بل إنه المعجزة الإلهية والإرادة الربانية؛ وطأطأ كل السحرة رؤوسهم أمام موسى عليه السلام إجلالاً له وقالوا آمنا برب هارون وموسى، وقد أعلنوا إيمانهم في قبال الحاضرين.

وما تفيده الآية السبعون من سورة طه:

  •  إن في مقدور الإنسان أن يتخلى عن عقيدته في لحظة، فقد يتحول من الكفر إلى الإيمان وهو تحول إيجابي، وقد يتحول من الإيمان إلى الكفر وهو تحول سلبي.
  •  لابد من حمل سراج الأمل حين التعامل مع الضالين، إذ من الممكن أن يهتدوا ويسلكوا إلى التوبة سبيلاً.

ويقول أصدق القائلين، رب العالمين في الآية الحادية والسبعين من سورة طه:

قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ ﴿٧١﴾

من الطبيعي أن يغضب فرعون لما رأى أن السحرة قد آمنوا برسالة موسى عليه السلام وحي السماء.

نعم، إن ما كان يريده فرعون هو أن يهزم موسى عليه السلام لا أن يفتضح هو، والذي حدث أن الهزيمة والفضيحة كانت لفرعون، وعلى أي حال كان فرعون قد غفل عن قدرة الله تعالى شأنه، ما كان هذا الطاغية يعلم أن الله بإرادته يجعل العدو سبب الخير، بحيث أن من يريدون الإنحراف للناس هم أنفسهم على الصراط المستقيم يسيرون، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين.

واتهم فرعون السحرة الذين آمنوا بموسى عليه السلام بأنهم قد خططوا لما حدث؛ وقرر فرعون الإنتقام من السحرة الذين اعتبرهم تلاميذ موسى عليه السلام وأتباعه وأمر أن يصلبوا على جذوع النخل وأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، إن هذا التهديد ما كان ليؤثر على إيمان السحرة، ذلك أن إيمانهم كان حقيقياً لا يهتز.

وما نأخذه من عبر ودروس من هذا النص القرآني المبارك هو:

  •  في الحكومات الطاغوتية لا توجد حرية الرأي، والناس يكونون مجبرين على اتباع دين ملوكهم.
  • إن الإتهتام والتهديد، هما أسلوب الحكومات الفرعونية لمواجهة إتباع الحق والحقيقة.
  •  إن القتل والتعذيب سمتان للحكومات الظالمة وإن الحكام الظالمين يتورعون عن التصريح بهذه الأساليب.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق البشرية للإنتصار على الأنظمة الطاغوتية ونسأل الهداية لجميع بني الإنسان إلى سبيل الرشاد والسداد وآخر دعوانا (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).

حضرات المستمعين الأفاضل هكذا انتهت هذه الحلقة من نهج الحياة، إلى اللقاء والسلام خير ختام.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة