بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وأشرف السفراء المقربين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام على حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بهم في حلقة أخرى من نهج الحياة، كنا قد قدمنا تفسيراً لستين آية من سورة طه المباركة، وفي هذه الحلقة نقدم تفسيراً لآيات أخرى منها فنستمع أولاً إلى تلاوة الآيتين الحادية والستين والثانية والستين:
قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ ﴿٦١﴾
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ ﴿٦٢﴾
في الحلقة الماضية مر علينا أن فرعون لما رأى من موسى عليه السلام المعجزات الإلهية التي تثبت نبوته، دعا السحرة ليقدموا ما عندهم ظناً منه أنه بعمله هذا يمكنه التغلب على موسى عليه السلام.
وفي المقابل أراد الكليم عليه السلام أن يواجه السحرة وفرعون أمام الملأ، كي يفتضح أمرهم ويبين باطلهم.
نعم، لقد أراد النبي موسى أن يثبت للناس أنه على الحق والصراط الصحيح لا فرعون وأتباعه.
وجاء اليوم الموعود وحضر موسى وحضر فرعون وأتباعه والسحرة في هذا اللقاء المهم، أعلن موسى عليه السلام أن الشرك بالله حرام وإنكار معجزاته حرام كذلك، وهذا الإنكار على حد الكذب على الله تبارك وتعالى، ومن يشرك بالله تعالى له الخسران المبين وله سوء الدار والعذاب في الآخرة.
وعلى أي حال فقد أثر كلام نبي الله موسى عليه السلام في هؤلاء القوم، حيث دب الإختلاف بينهم وأخذوا فيما بينهم يتهامسون كي لا يعلم الناس حقيقة الأمر.
إن الملفت في سلوك موسى (ع) حينما لقي السحرة، هو الدعوة إلى وحدانية الله ونبذ الشرك وعبادة غير الله جل جلاله؛ نعم، لقد اتضح للبعض من بعد ذلك أن موسى عليه السلام نبي مرسل من الله وإنه على الحق المبين.
وأما ما يستفاد من هذا النص الشريف فهو:
- إن الإفتراء والكذب لا يوصلان أحداً إلى الهدف الصحيح وأن من يفتري أو يكذب ليس له إلا الخزي والعار والفضيحة.
- إن ما بين الأعداء تنشب الإختلاف، بيدأنهم ربما أخفوها عن المؤمنين وذلك قوله تعالى شأنه: "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتاً" صدق الله العلي العظيم.
ولنستمع إلى تلاوة الآيتين الثالثة والستين والرابعة والستين من سورة طه المباركة:
قَالُوا إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ ﴿٦٣﴾
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ ﴿٦٤﴾
الذي يوضحه هذا النص أن فرعون وأتباعه من بعد أن بان الحق للناس، إتهموا موسى وهارون عليهما السلام بتهمتين، نعم الفراعنة قالوا أن موسى وهارون يريدان طرد الناس من مصر وإحلال بني إسرائيل محلهم؛ وادعى فرعون ومن معه أن موسى وهارون يريدان الإتيان بدين جديد.
ومن الطبيعي أن يبدي الناس رد فعل هنا ولا يتبعون الحق لوجود ما يمكن أن يسمى باصطلاح اليوم (التشويش الإعلامي)، إن فرعون دعى السحرة لجمع قواهم والوقوف بوجه موسى عليه السلام.
وما يفيده هذا النص هو:
- الطواغيت يتهمون الرجال الربانيين بتهم واهية، مثل طلب السلطة ومعارضة الثقافة والعادات والتقاليد.
- إن الأعداء يوظفون كل ما لديهم من إمكانات للوقوف بوجه الحق، وهكذا فإن على أتباع الحق الإتحاد والتآزر.
ويقول تعالى في الآيتين الخامسة والستين والسادسة والستين من سورة طه المباركة:
قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ ﴿٦٥﴾
قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ﴿٦٦﴾
لقد طلب موسى عليه السلام السحرة أن يلقوا ما عندهم وألقى السحرة ما كان عندهم ومارسوا السحر بأنواعه، وسنأتي على بيان ما حدث في ذلك اليوم في الحلقة القادمة إن شاء الله.
أما الذي نأخذه من هذا النص فهو:
- للدفاع عن الحق وبيان الحقيقة لابد من فسح المجال أمام العدو ليلقي ما عنده من شبهات ومن بعد ذلك يأتي الجواب القاطع والذي فيه بلاريب، هزيمة العدو.
- إن السحر مهما بلغ، لا يغير حقيقة الأشياء، إلا أنه يؤثر في النظر والإدراك حتى تبدو الأمور بشكل آخر.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا أنهينا تفسيراً موجزاً لست آيات أخرى من سورة طه؛ أنتم على موعد مع هذا التفسير الوجيز في حلقة أخرى من نهج الحياة.
نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.