بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين وعلى أهل بيته الغر الميامين؛ السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، حيث تفسير آيات أخرى من سورة طه المباركة، حيث نستمع أولاً إلى تلاوة الآيتين التاسعة والأربعين والخمسين من هذه السورة:
قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ ﴿٤٩﴾ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ﴿٥٠﴾
بعد أن تمكن سيدنا موسى عليه السلام وإخوة هارون عليه السلام من الوصول إلى قصر فرعون، طلبا منه الحرية لبني إسرائيل، ودعا هذان النبيان (ع) فرعون إلى عبادة الله الواحد الأحد؛ وكان اول رد فعل أبداه فرعون إزاء هذه الدعوة الإلهية أن سأل موسى وهارون عليهما السلام من هو إلهكما الذين تريدان أن أعبده؟ وجاء جواب موسى عليه السلام مشيراً إلى أن الله تعالى هو الذي خلق كل الكائنات ووفر لها سبل الهداية والرشاد.
لم يجد فرعون جواباً أمام كلام موسى عليه السلام، إنه إدعى الربوبية لكنه لم يخلق شيئاً حتى نفسه لم يخلقها، بل طغيانه في الأرض هو الذي جعله يستعلي ويدعي الألوهية.
وكما يلاحظ من النص فإن نبي الله موسى عليه السلام أشار في كلامه عند فرعون إلى الهداية التكوينية للباري عزوجل، وفي ظل الهداية التكوينية يتطور كل موجود حتى يصل إلى مراحل كماله؛ ومن انماط الهداية التكوينية التي نحن بصدد الكلام عنها هنا تحول حبة القمح إلى سنبلة كاملة أو بناء الحيوانات مساكن وأعشاش لها وكيفية غذائها وتناسلها وتربية مولوداتها.
نعم، إن هذا النمط من الهداية أودعه الله تعالى في وجود كل كائن حي؛ على أن بقاء كل موجود مرهون بهذه الهداية الربانية المتعالية.
والآن إلى الدروس المستفادة من هذا النص الشريف فهي:
- إن من لطف الله تعالى ومنته أن خلق الموجودات وأفاض عليها الوجود.
- إن السيادة على العالم هي من حق من خلق الوجود لا غير.
- كل الموجودات هي في إطار الهداية التكوينية الإلهية وأن القوانين التي تتحكم بالطبيعة دليل على الهداية الربانية.
ويقول تعالى في الآيتين الحادية والخمسين والثانية والخمسين من سورة طه المباركة:
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ ﴿٥١﴾
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ﴿٥٢﴾
ما كان فرعون يمتلك جواباً قانعاً في مقابل دعوة سيدنا موسى عليه السلام، ومن أجل أن يبتعد عن الحقيقة أخذ يسأل موسى عليه السلام عن أشياء أخرى؛ نعم، قال فرعون لموسى (ع) ما هو تكليف أجدادنا الذين ماتوا وهم على الشرك؟ وهل سيطالهم العذاب والحال هذه؟
وجاء جواب موسى عليه السلام أن الله هو الذي يفصل في أمر هؤلاء وهو الحاكم العادل؛ أجل، إن الله ناظر لكل أفعال الخلق وإنه تعالى يحاسبهم على أعمالهم من دون أي ظلم "وما ربك بظلام للعبيد".
وما يفيده النص الذي فسرناه هو:
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الثالثة والخمسين والرابعة والخمسين من سورة طه المباركة، حيث يقول جل شأنه:
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ ﴿٥٣﴾
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ ﴿٥٤﴾
إن القرآن الكريم يصف في هذا النص الشريف جانباً من قدرة الله تعالى شأنه في الوجود، وتحدث هذا النص عن نماذج من هذه القدرة الربانية المتعالية إذ في إطار قدرة الله تعالى شأنه تدار الأرض والسماء.
وبفضل من الله يسرت الأرض لسكن الإنسان وسائر الموجودات، ومن فيوض رحمة الله جل جلاله، إنزال الغيث وهطول المطر على الأرض التي إذا ما نزل الغيث عليها ربت وترعرعت وأنبتت من كل زوج بهيج.
وفي كل هذا ما يدل على ربوبية الله وقدرته، عظمت قدرته، وفي آيات الله تعالى في الخلق دروس وعبر لأولي الأبصار وأولي الألباب، لكن الغافلين أنى لهم فهم هذه الحقائق الحقة.
والآن إلى ما يفيده هذا النص المبارك:
- إن الأرض هي مهد ولادة الإنسان، أشرف المخلوقات عليها يسر الله تعالى له كل سبل الحياة فيها.
- إن غذاء الإنسان يتوفر له إما مباشرة أو بواسطة النباتات، كما أن نمو النباتات مرتبط بنزول المطر وتوفر الماء، والماء في حد ذاته نعمة وفيرة من نعم الله تعالى.
نسأل الله أن يوفقنا لشكر نعمائه وحمد آلائه، إنه الكريم المنان، والسلام خير ختام.