بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل السفراء المقربين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في حلقة أخرى وجديدة من نهج الحياة.
أنتم وإيانا في رحاب القرآن الكريم، أصدق القول وأحسن الحديث، حيث نقدم لكم تفسيراً موجزاً ويسيراً لآيات أخرى من سورة طه المباركة ونبدأ أولاً بالإستماع إلى تلاوة الآيتين الثالثة والأربعين والرابعة والأربعين من هذه السورة وهي قوله تعالى
اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴿٤٣﴾
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴿٤٤﴾
إن أول مهمة أوكلها الله تبارك وتعالى لموسى وهارون عليهما السلام هي دعوة فرعون إلى عقيدة التوحيد ونبذ الظلم والتعدي على الناس ولا سيما بني إسرائيل؛ لقد كان فرعون ملكاً ظالماً وكان حكمه بإصطلاح السياسة المعاصرة، حكماً دكتاتورياً، وإزاء هذا الوضع المأساوي الذي كان يعيشه الناس في زمن فرعون، بعث الله تعالى شأنه موسى عليه السلام وشد أزره بأخيه هارون وأمرهم الباري جل شأنه بمواجهة ظلم فرعون لكن الدعوة الإلهية بشكل عام وفي كل زمان ومكان تقوم على أساس الحكمة والموعظة الحسنة لتكون أكثر تأثيراً في النفوس ويقول تعالى "بسم الله الرحمن الرحيم أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" صدق الله العلي العظيم.
نعم، إن الأسلوب القائم على أساس المنطق، فيه النتائج الإيجابية، وهو الذي يجعل الناس بالحق يؤمنون وإلى الله جل جلاله يفيئون.
وأما الدروس المستفادة من نص الآيتين الكريمتين فهي:
- إن أول مهمة للأنبياء والرسل عليهم السلام، إصلاح المجتمع وإرشاد الناس إلى طريق الصواب، ومن البديهي أن نتائج الإصلاح تتجلى في مجالات الحياة المختلفة، من سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها.
- إن الأسلوب الخشن في الدعوة إلى الحق لا يأتي أكله أبداً، بل لابد من القول اللين والقول الميسور.
ويقول تعالى في الآيتين الخامسة والأربعين والسادسة والأربعين من سورة طه:
قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ ﴿٤٥﴾
قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ ﴿٤٦﴾
كان من المتوقع أن يقدم فرعون على حبس موسى وأخيه هارون عليهما السلام، ربما كان في نية فرعون أن يزيد في إيذاء بني إسرائيل بعد أن قدم موسى عليه السلام وأخوه عليه بآيات الحق المبين، وإذا ما توجس موسى وأخوه عليهما السلام خيفة من فرعون، فهذا أمر طبيعي في مقابل طاغية لا يرحم، لكن الله تبارك شأنه وعد موسى وهارون النصر على فرعون فأزال عنهما القلق ومن كان مع الله فإن الله معه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وما يفيده هذا النص الشريف:
- على الإنسان عندما يقدم على أي عمل، أن يتخذ إجراءات الوقاية اللازمة ومراعاة الإحتياط حتى ورد في الحديث الشريف: [ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الإحتياط].
- إن من عوامل تقوية العزائم لدى المؤمنين لمواجهة الصعاب والمشاكل، الإعتقاد إعتقاداً راسخاً، إن الله تعالى معهم وهو بكل شيء عليم وخبير وسميع بصير.
ويقول تعالى في الآيتين السابعة والأربعين والثامنة والأربعين من سورة طه المباركة:
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ ﴿٤٧﴾
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ﴿٤٨﴾
مرة أخرى يأتي الأمر الإلهي إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام للتوجه إلى الطاغية فرعون ودعوته إلى الحق ولعل من الممكن القول هنا أن الخطوة الأولى في مهمة موسى وهارون عليهما السلام، العمل على تحرير بني إسرائيل من قيود العبودية الفرعونية، أما ثاني خطوة في هذه المهمة الإلهية المباركة فهي بيان آيات الله تعالى ومعجزاته.
نعم، إن من يقبل دعوة الحق الإلهي تكون الرحمة والرضوان من نصيبه، لكن من يكذب بآيات الله ويرفض دعوة الحق فإنه يبوء بغضب من الله، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
والمثير هنا أن أول عمل أنيط بنبي الله موسى عليه السلام هو الدفاع عن المحرومين وتحريرهم من قبضة الظالمين، وفي هذا الدلالة الواضحة على عظم المسؤولية الملقاة على عاتق القادة الربانيين في قبال الناس وإن الأنبياء والرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، دعوا إلى كلمة التوحيد وكان وجودهم السامي رحمة للعالمين، لا سيما سيدنا محمد (ص).
والآن لنرى الدروس التي نتعلمها من هذا النص القرآني المبارك فهي:
- في إرشاد أي مجتمع لابد من البدء بزعمائه، ففي صلاحهم صلاح المجتمع، ومن هنا كلف الله تعالى شأنه موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون وردعه عن غيه.
- إن أول عمل يقوم به أي نبي أو رسول من عند الله تعالى هو محاربة الطواغيت وتحرير المظلومين من ربقة الظلم والإجحاف.
- إن العمل وفق التعاليم الإلهية الوضاءة فيه كل الضمان لسلامة المجتمع وسيادة العدل فيه.
وهكذا فإن من ينأى عن تعاليم الأنبياء والرسل العظام ليس له إلا سوء العاقبة والخسران المبين.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للسير على هديه والأخذ بتعاليم شرعه، إنه تعالى أكرم مسؤول وأفضل مجيب.
طبتم وطابت أوقاتكم حضرات المستمعين الأفاضل والسلام خير ختام.