بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد الرسل الأصفياء، سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته النجباء.
السلام عليكم حضرات المستمعين الكرام مرة أخرى يجمعنا وإياكم كتاب الله العزيز في ظلال وارفة، هي ظلال آي الذكر الحكيم وتفسير موجز لها.
وكنا أنهينا تفسير 18 آية من سورة طه المباركة، والآن نستمع إلى تلاوة الآيات التاسعة عشرة والعشرين والحادية والعشرين من هذه السورة، وهي قوله تعالى:
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ ﴿١٩﴾
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ ﴿٢٠﴾
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ ﴿٢١﴾
كما جاء في تاريخ الأنبياء (ع) فإن الله تبارك وتعالى اختار موسى بن عمران نبياً وبعثه لبني اسرائيل رسولاً، حينما كان في وادي طوى متوجهاً من مدين إلى مصر، وقد كلمه الله في ذلك الوادي تكليماً وأفاض عليه من قدرته، فقبل الناس دعوته وآمنوا برسالته.
وجرت المعجزات بإذن الله على يديه، كليم الله، حيث يبين هذا النص الشريف أن من بين تلك المعجزات، تحول عصا موسى (ع) إلى حية تسعى؛ وخوف موسى (ع) كان أمر طبيعاً، ذلك أن تحول العصا إلى حية كان على أساس المعجزة الإلهية لا السحر، والسحرة لا يخافون من أعمالهم، حيث يأتون بها على أساس الشعوذة والسحر.
والمستفاد من هذا النص الكريم:
- إن إفاضة الحياة ومن بعد ذلك إنهاءها بالموت هي من مختصات الله تعالى وتحول العصا إلى حية ومن بعد ذلك رجوعها سيرتها الأولى ليس على الله القادر المتعال بعسير، فهو جل شأنه يقول للشيء كن فيكون.
- لابد من الإستعداد لدعوة الناس وتبليغهم الدين الحق، كان على موسى (ع) أن يكون على استعداد لما يريد فعله أمام فرعون والسحرة.
ويقول تعالى في الآيتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من سورة طه الشريفة:
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ ﴿٢٢﴾
لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ﴿٢٣﴾
المعجزة الثانية من معجزات موسى عليه السلام، هي خروج يداه بيضاء، كما جاء في النص "فاضمم يديك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء" أي أن يدي موسى عليه السلام صارتا بيضاء، لكن دون أن تصاب بمرض من برص أو جذام، والمؤسف أن التوراة الحالية وهي توراة محرفة، تذكر أن إبيضاض يدي موسى (ع) كان بسبب البرص؛ وينبغي أن نذكر أن لموسى (ع) معجزات أخرى، وهاتان المعجزتان هما من أهم معجزات هذا النبي الكريم، على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام.
وما تفيده إيانا هاتان الآيتان:
- إن الله تعالى قادر على كل شيء، ومتى ما أراد تظهر آيات قدرته، ولا فرق في ذلك بين الإنسان والجماد.
- إن الأنبياء (ع) لابد أن يرون آيات قدرة الرب الجليل كي يؤدوا مهام مسؤولياتهم الجسام بكل ثقة واطمئنان.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الرابعة والعشرين من سورة طه المباركة:
اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴿٢٤﴾
من بعد أن اختار الله تعالى موسى عليه السلام نبياً، أمره أن يتوجه إلى فرعون حاكم مصر؛ كان فرعون ملكاً طاغياً وقد إدعى الألوهية لنفسه وجعل الناس خولاً وعبيداً له، يملك رقابهم ويتحكم بشؤون حياتهم.
كان لابد لنبي الله موسى (ع) أن يحارب هذا الطاغية أولاً، إذ لابد من القضاء على الطغيان، ومن بعد ذلك نشر تعاليم العدل بين الناس ودعوتهم إلى عبادة الله تعالى، ولابد لتطهير أي مجتمع من الظلم والفساد من الشروع بمواجهة الطغاة ورؤوس الظلم.
نعم، أيها الأخوة والأخوات، إن الكفر بالطاغوت هو مقدمة الإيمان بالله تعالى، أليس الله تعالى يقول في سورة البقرة وتحديداً في آية الكرسي المباركة "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لانفصام لها".
والتاريخ خير شاهد على أن اولياء الله الصالحين على مداه قد حاربوا الطغاة وبذلوا الغالي والنفيس في هذا السبيل ومن أجل إعلاء كلمة الله، كلمة التوحيد، وكلمة الله هي العليا.
والآن إلى الدروس المستقاة من هذه الآية فهي:
- ليس الدين منفصلاً عن السياسة، الأنبياء العظام عليهم الصلاة والسلام كانوا يحاربون حكام الجور والطغيان لتمهيد السبل إلى دين الله القويم وشرعه الأنور.
- في محاربة الطغاة وأعداء الدين، لابد أن يكون أولياء الله في المقدمة والناس على نهجهم يسيرون.
وهكذا كان الأنبياء والرسل العظام والأئمة الكرام، فهذا سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، كان القدوة في محاربة طاغوت زمانه يزيد بن معاوية عليهما الهاوية، ولقد ضحى صلوات الله وسلامه عليه بنفسه الشريفة وأهل بيته والصفوة من أصحابه.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا انتهت هذه الحلقة من نهج الحياة إلى اللقاء والسلام خير ختام.