بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للناس كافة، سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الكرام الأبرار.
حضرات المستمعين السلام عليكم وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، حيث نكمل فيها تفسير سورة مريم المباركة، وأول ما نصغي إليه الآية الثالثة والتسعين من هذه السورة حيث يقول تعالى:
إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا ﴿٩٣﴾
كما مر علينا فإن المشركين قد نسبوا لله تعالى الولد وهو جل شأنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولم يكن له شريك في الملك، والذي يفيده النص الذي استمعنا إليه أن كل من السموات والأرض من الناس والملائكة هم عباد الله.
والمستفاد من هذا النص الشريف:
- إن كل الوجود هو ملك لله تعالى وهو جل شأنه بيده الحياة والموت والنشور وإليه ترجع الأمور.
- إن الوجود والكون برمته خاضع لإرادة الله تعالى وقدرته، أزمة الأمور طراً بيده والكل مستمدة من مدده
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الرابعة والتسعين والخامسة والتسعين من سورة مريم (س):
لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴿٩٤﴾
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴿٩٥﴾
في هذا النص المبارك ما يوضح إن الله تعالى شأنه عالم بكل شيء في الوجود وإنه يعلم بكل ما كان وما يكون وما هو كائن.
نعم، إن الله تعالى قد أحصى كل الخلائق وعدهم عداً، وفي يوم القيامة ترى الخلائق حاضرين في محكمة العدل الإلهي، حيث يسأل الجميع فرداً فرداً عما فعلوا ويجزون على أفعالهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
نعم، في يوم الجزاء يأتي كل واحد من الخلق مجرداً ليس معه ماله ولا قدرته وحتى أنه في ذلك اليوم ولهوله يعز المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل إمرء يومئذ شأن يغنيه، نسأل الله حسن العاقبة وحسن الختام.
والذي يفيده إيانا هذا النص هو:
- إن علم الله تعالى محيط بكل شيء لا تخفى عنه تعالى خافية وكل شيء بين يدي قدرته حاضر، تبارك الله وجل.
- نعم، يوم القيامة لا ينفع الإنسان إلّا عمله حيث يوم الحساب ويوم الوفود على الرب الأرباب.
ويقول تعالى في الآية السادسة والتسعين من سورة مريم (س):
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا ﴿٩٦﴾
إن المؤمنين المتقين بأعمالهم الصالحة وعبادتهم الخالصة ينالون القرب من رحمة الله تعالى ويجعل الله حبّهم في قلوب الآخرين، نعم، حتى الأعداء في قلوبهم يتوفر حب المؤمنين وإن حال العداء دون إظهاره.
ويذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام، وإن هذه الشخصية المباركة قد حضيت باحترام واسع وكبير على مر الأجيال احترام المحب والعدو، وإن فضائله عليه السلام كثيرة وقد ملأت الخافقين.
والمستفاد من هذه الآية الشريفة:
- إن الإيمان والعمل الصالح يجتذب القلوب، ذلك أن الجميع يحبون الطهارة والصدق والشجاعة والإيثار والتضحية، نعم، حتى غير الأخيار يحبون هذه الصفات ويثنون على أصحابها.
- إن الحب بيد الله تعالى، فكل القلوب منقادة إليه جل جلاله.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الأخيرتين من سورة مريم (س)، أي الآية السابعة والتسعين والثامنة والتسعين:
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ﴿٩٧﴾
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ﴿٩٨﴾
تشير هاتان الآيتان المباركتان إلى دور القرآن الكريم ومكانته في هداية الإنسان وسعادته، نعم القرآن الكريم أبان للناس أجود المفاهيم بأسلوب سهل ويسير.
إن القرآن كتاب بشارة وإنذار، بشارة للمؤمنين وإنذار للكافرين، وقد علمنا دروساً وعبر من أمم الماضين وأقوام الغابرين.
نعم، في فناء السالفين من العبر ما يعلمنا أن الله قادر على كل شيء وأنه يبيد الكفار والمشركين جزاء كفرهم وشركهم.
وما يفيده نص الآيتين هو:
- إن طريق إرشاد الناس وهدايتهم يستدعي عرض التعاليم الدينية بأسلوب مبسط كي يستفيد الناس أجمعين، وهذا معنى تيسير القرآن للذكر.
- إن لكل فريق من الناس أسلوب الكلام الخالص به فلغة الخطاب مع المؤمنين قائمة على أساس البشارة، بينا تقوم لغة الخطاب مع الكافرين على أساس الإنذار.
نعم، إن رسول الله (ص) الهادي الأمين هو البشير النذير في كتابه الهدى والنور؛ هكذا حضرات المستمعين الأفاضل أنهينا بلطف الله ومنته وتوفيقه وتسديده تفسير سورة مريم المباركة، وقد جاء التفسير على مدى ثمانية عشرة حلقة، نسأل الله تعالى القبول والرضوان يوم الصراط والميزان إنه الكريم المنان.
أنتم على موعد أيها الأخوة والأخوات مع سورة طه المباركة حتى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام خير ختام.