بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، النبي المصطفى المختار وأهل بيته الطيبين الأطهار.
أسعد الله أوقاتكم أيها الأكارم وأهلاً بكم في حلقة أخرى وجديدة من نهج الحياة، سبعون آية من سورة مريم (س) قدمنا تفسيراً موجزاً لها، وها نحن ماضون في رحلتنا مع هذا السفر العظيم والقرآن الكريم، حيث نقدم في هذه الحلقة تفسيراً موجزاً لآيات أربع أخرى من هذه السورة.
وأول ما نستمع إليه تلاوة الآيتين الحادية والسبعين والثانية والسبعين من هذه السورة
وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ﴿٧١﴾
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴿٧٢﴾
تحدثت الآيات عن خصائص يوم القيامة والثواب والعقاب فيه ويتحدث هذا النص عن عبور أهل الجنة من النار، نعم الناس قاطبة يمرون في البداية من معبر النار، لكن النار لا تحرق المؤمنين وإلى هذا المعنى أومأت روايات عديدة رويت عن سيد الرسل، سيدنا محمد بن عبد الله (ص)؛ وهكذا يعبر المؤمنون بسرعة من النار ويدخلون جنان الرحمن فهنيئاً لهم، ويبقى الكفار في النار فهم الذين أوقدوها بأعمالهم السيئة وليس لهم من النار مخلص ونجاة، بل هي لهم بئس المصير.
والمستفاد من الأحاديث الشريفة أن جسر الصراط يمر من على النار ولابد لكل الخلق من إجتيازه، والمستفاد من هذا النص الشريف:
- علاوة على محكمة العدل الإلهي في يوم القيامة فإن النار هي التي تميز أهل الإيمان عن أهل الكفر، أهل الإيمان يتجاوزونها بسلام وأهل الكفر يلقون فيها بهوان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
- إن التقوى هي سبيل النجاة من النار.
ويقول تعالى في الآية الثالثة والسبعين من سورة مريم (س):
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ﴿٧٣﴾
في بداية الدعوة الإسلامية المباركة، آمن بالنبي (ص) العديد من الناس، ومنهم من كان من الفقراء والعبيد، ومن اولئك عمار بن ياسر وبلال الحبشي وخباب بن الأرت؛ أما أكثر زعماء مكة فقد رفضوا تكبراً منهم دعوة السماء وكانوا يقولون أنى لنا أن نكون مع هؤلاء؟
على أي حال لقد كان المجتمع المكي في العصر الجاهلي مجتمعاً طبقياً ينقسم إلى طبقتين؛ الأولى ثرية متخمة والثانية فقيرة معدمة، لكن الثروة والمكنة ليست المعيار في تصنيف الناس، إنما هي العقيدة الحقة التي تميز أهل الحق عن أهل الباطل.
وأما ما يفيده إيانا هذا النص فهو:
- إن الحق والباطل هو المعيار لا الثروة والجاه، إن ثروة الكفار ليست دليلاً على أحقيتهم أو رحمة الله بهم.
- إن التكبر والتفاخر هما اللذان يسيران إلى الكفر والضلال وإنكار الحق.
والآن نستمع إلى قوله تعالى في الآية الرابعة والسبعين من سورة مريم المباركة:
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ﴿٧٤﴾
تخاطب هذه الآية بكل حزم المتكبرين وتسألهم هل نسيتم التاريخ وما مر فيه على أهل التكبر والفخر؟ ولماذا تحقرون المؤمنين لأنهم ليسوا أغنياء مثلكم؛ وإذا كانت السطوة والجاه والثروة هي المعيار عند الله تبارك وتعالى، فلماذا أهلك الله الأمم السالفة حينما طوت عن الحق كشحاً ولجأت إلى الباطل والتكبر؟
وكيفما كان الأمر فإن توفر مستلزمات الحياة الباذخة ليست دليلاً على السعادة في الحياة كما أنها لا تحول دون غضب الله تعالى على الكافرين المترفين.
ومن الواضح كما أثبتت تجارب الحياة أن الثروة والمال قد تأخذان بأيدي الناس إلى الكفر والطغيان، ومن بعد ذلك الهلاك والهوان، أليس الله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه الكريم؛ "بسم الله الرحمن الرحيم – إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى".
والآن الى الدروس المأخوذة من هذه الآية الشريفة:
- لابد لنا من أخذ العبر من التاريخ، إن سقوط وهلاك الظالمين والطاغين فيه العبر الكثيرة وهو أفضل سبيل يدلنا على معرفة الحق وتمييزه عن الباطل.
- إن ما يفخر به الأثرياء ليس إلا زخارف الدنيا وزينتها وليس فيه السعادة في الدنيا ولا النجاة في الآخرة.
نسأل الله أن يوفقنا لمعرفة الحق واتباعه ويجعلنا على المحجة البيضاء ظاهرها كباطنها والسلام عليكم.