بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على سيد الكونين ومولى الثقلين نبي الهدى والرحمة أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الأطهار، والسلام عليكم –حضرات المستمعين الأكارم- وأهلاً بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة.
خمسة وستون آية من سورة مريم (س) عرضنا تفسيراً موجزاً لها خلال الحلقات الماضية، وفي هذه الحلقة نقدم تفسيراً لخمس آيات أخرى من هذه السورة، بادئين بالآيتين السادسة والستين والسابعة والستين، حيث يقول تعالى:
وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ﴿٦٦﴾ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴿٦٧﴾
بعض الناس ينكرون المعاد الجسماني ويقولون كيف يمكن أن يعود الإنسان مرة أخرى بعد الموت وبعد أن يتحول إلى تراب؟! ويأتي الجواب في هذا النص، حيث صيغ بصيغة السؤال وهو كيف لا يكون المعاد الجسماني ممكناً والله كان قد خلق الإنسان ولم يكن شيئاً مذكوراً؟
ومن الطبيعي أن إثارة الشكوك حول أمر المعاد ناشيء عن عدم الإيمان بقدرة الله تبارك وتعالى وإلا فإن من يؤمن بقدرته جلت عظمته، لا يتسرب إلى عقله أدنى ريب في أن الله تعالى إذا أراد شيئاً فإنه يقول كن فيكون؛ نعم، أين قدرة الإنسان من قدرة الله تعالى؟
والدروس المأخوذة من هذا النص هي؛
- إن من السهولة على الله إعادة خلق الإنسان وإذا ما أنكر البعض هذا فإن إنكارهم قائم على أساس فكرهم المحدود الذي ينظر إلى القدرة على أنها أمر محدود وهي عند الله لا حدود لها.
- إن كون المعاد جسماني هو الذي يثير الشبهات عند من لا إيمان لهم بقدرة الله تعالى ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ويقول تعالى في الآية الثامنة والستين من سورة مريم المباركة:
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴿٦٨﴾
إن من يؤمن بالله وقدرته لابد له أن يؤمن بالمعاد، فمن ينكر المعاد كافر وهو في وادي الضلال يتيه، وفي يوم القيامة يحاسب هؤلاء الكفار وينالون جزاءهم، وما ربك بظلام للعبيد.
لكن لابد من التفريق بين من أنكر المعاد عن عمد وقصد، ومن أنكره عن جهل فالأول يعد كافراً أما الثاني فإن الله يعفو عنه وهو العفو الغفور، وفي الآية إشارة إلى حشر الكفار يوم القيامة مع شياطين الجن والإنس، وهذا الحشر هو نتيجة تشابه أفكار مع الشياطين في الحياة الدنيا.
والذي تفيده هذه الآية:
- لابد للإنسان من الإستعداد ليوم المعاد ولابد من إعداد زاد المعاد وإن كان الوفود على الكريم المنان.
- إن من يسخرون في الدنيا من عقائد الدين تكرماً وغروراً، لهم في الآخرة الذل والهوان، نعم إن الذل يصل بهؤلاء إلى الحد الذي يجثون فيه على ركابهم أو كما يعبر القرآن "ثم لنحضرنهم حول جهنم جثياً".
وآخر ما نصغي إليه من كلام الوحي الإلهي في هذه الحلقة الآيتين التاسعة والستين والسبعين من سورة مريم (س)
ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَـٰنِ عِتِيًّا ﴿٦٩﴾
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا ﴿٧٠﴾
إن الله تبارك وتعالى خلق الجنة للمؤمنين الشاكرين وخلق النار للكافرين المعاندين، لكن للنار درجات، وفي جهنم طبقات، وجعل النار طبقات إنما يأتي على أساس العدل الإلهي، أي تناسب العقاب مع نوع العمل السيء.
نعم، العصيان على درجات ومن زاد عصيانه وإثمه زاد عذابه، وربما أمكن القول هنا أن أهل الإثم على ثلاثة أصناف؛ الصنف الأول هم المرتكبون للإثم، والصنف الثاني من يدعون الناس للإثم ويوفرون له أسبابه وظروفه، ويأتي الصنف الثالث من أهل الإثم وهم الذين يرضون ويقبلون بإثم الآخرين؛ ولكل صنف من هذه الثلاثة عقاب محدد.
والآن إلى ما يفيده إيانا هذا النص الشريف:
- إن الله تبارك وتعالى مصدر الرحمة والرأفة، لكن من الناس وبدلاً من العمل على نيل رحمة الله ورضوانه، يرتكبون الآثام وفي الأرض يطفون وهكذا يكون لهم العذاب والهوان.
- إن لجهنم درجات وللنار طبقات، والكفار يلقون فيها جزاء ما كسبت أيديهم وإن الله تعالى هو الذي يحدد الدرجة أو الطبقة التي يلقى فيها الكافر.
نسأل الله تبارك وتعالى أن ينأى بنا عن ناره ويوفقنا لنيل جنته وأن يوفقنا لمراضيه ويجعل مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه آمين يا رب العالمين.
حضرات المستمعين الأفاضل سنتابع تفسير آيات أخرى من سورة مريم (س) في الحلقة القادمة إن شاء الله، إلى اللقاء والسلام خير ختام.