بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين، السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلاًً بكم في لقاء قرآني جديد، لقاء يجمعنا على نهج الحياة، وقد أنهينا تفسير 55 آية من سورة مريم.
في هذه الحلقة نقدم تفسيراً موجزاً لآيات خمس اخرى من هذه السورة المباركة ونبدأ بالإستماع إلى تلاوة الآيتين السادسة والخمسين والسابعة والخمسين، حيث يقول تبارك تعالى:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ﴿٥٦﴾
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴿٥٧﴾
كان ادريس نبي الله، قد بعث نبياً قبل نوح عليه السلام، وكانت التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام قد ذكرت سيدنا إدريس عليه السلام باسم أخنوخ، وتفيدنا الروايات الصحيحة أن إدريس عليه السلام كان خياطاً وهو أول من علم الناس خياطة الملابس، وكان محيطا بعلوم الفلك والهيئة والحساب.
على أن ما يفيده النص الذي مر علينا هو أولاً: إن الصدق في القول والعمل هو صفة بارزة في أخلاق الأنبياء عليهم السلام.
ثانياً: إن الصدق قولاً وعملاً يجعل الإنسان مقرباً إلى الله تعالى ومحبوباً لدى الناس.
ويقول تعالى في الآية الثامنة والخمسين من سورة مريم المباركة:
أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩ ﴿٥٨﴾
تفيد هذه الآية أن الله تبارك وتعالى حبا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة السلام نعمة كبيرة، هي نعمة الهداية، فهم سلام الله عليهم على الصراط المستقيم ومن يسير على خطاهم يقتفي هذا الصراط دون أن يخل أو ينزل عليه غضب الله.
لقد بعث الله تعالى في الناس 124 ألف نبي ورسول من لدن آدم عليه السلام وحتى الرسول (ص). وفيما مر علينا من آيات سورة مريم، جاءت الإشارة إلى عشرة أنبياء (ع)؛ إن إدريس (ع) كان من ذرية آدم، أما ابراهيم (ع) فهو حفيد نوح (ع)، ومن ذرية ابراهيم، اسماعيل واسحق ويعقوب (ع)؛ أما موسى وهارون ويحيى وزكريا وعيسى فإنهم من نسل إسرائيل، واسرائيل هو يعقوب عليه السلام.
هؤلاء الأنبياء عليهم السلام كانوا عباداً لله صالحين يسجدون لله إظهاراً لعبوديتهم وتسيل الدموع من مقلهم خشية من الله وخوفاً، وهذا من أسمى مراتب التقوى.
والمستفاد من هذا النص:
- إن طهارة النسب أمر مهم اختار الله رسله من الأنساب الطاهرة.
- لكن النسب الطاهر لوحده ليس كافياً، بل إلى جانبه لابد من الجدارة لتبوء مقام النبوة، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
وآخر ما نتلوه عليكم في هذه الحلقة، الآيتين التاسعة والخمسين والستين من سورة مريم المباركة:
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴿٥٩﴾
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴿٦٠﴾
كما يبدو من هذا النص فإن الأقوام الذين جاءوا من بعد اولئك الأنبياء الصالحين عليهم السلام قد ضيعوا فرائض الله وتركوا الصلاة، نعم مثل تلك الملل قد اختارت طريق الضلال وإن لهم سوء العاقبة وسوء الدار.
إن فريضة الصلاة، فريضة مهمة في جميع الأديان والشرائع، وقد ورد على لسان سيدنا عيسى عليه السلام كما هو منطوق القرآن "وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً" لكن الكثير من الناس، ولشديد الأسف، في عصرنا الحاضر قد تركوا هذه الفريضة أو إنهم يتهاونون في أدائها.
وحيث أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإن تركها يؤدي إلى هيمنة هوى النفس على الإنسان، وهوى النفس يجر على الإنسان فرداً ومجتمعاً المصائب والويلات.
نعم، الصلاة هي عمود الدين وروي عن يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام قوله: (تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها فإنها كانت على المؤمنين كتاباً موقوداً).
والآن إلى الدروس المستفادة من النص القرآني الشريف إذ في الإمكان إجمالها في النقاط الأربع التالية:
- ليس بالضرورة أن يكون الولد كما يقال على سر أبيه، بل قد يغاير في سيرته سيرة أبيه.
- الصلاة هي مظهر الدين وتركها إساءة للدين.
- إن الصلاة هي سد بين الإنسان وشهواته الحيوانية فإن كسر هذا السد قد يقع الإنسان في براثن تلك الشهوات.
- إن التوبة الحقيقية هي تحول أساسي في ذات الإنسان، فهي تأخذ بيد الإنسان إلى جادة الصواب وتجعله من أهل الجنة، فطوبى له وحسن مآب.
جعلنا وإياكم من المصلين الذاكرين ومن السائرين على خط سيد المرسلين، آمين يا رب العالمين.