فقد نصّ القرآن الكريم على بشارة ابراهيم الخليل ـ عليه السَّلام ـ برسالة خاتم النبيين ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ باسلوب الدعاء قائلاً ـ بعد الكلام عن بيت الله الحرام في مكة المكرّمة ورفع القواعد من البيت والدعاء بقبول عمله وعمل اسماعيل ـ عليه السَّلام ـ وطلب تحقيق اُمة مسلمة من ذريتهما: (ربَّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنك أنت العزيز الحكيم).
وصرّح القرآن الكريم بأنّ البشارة بنبوّة محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الاُمّي كانت موجودة في العهدين القديم (التوراة) والجديد (الانجيل). والعهدان كانا في عصر نزول القرآن الكريم وظهور محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولو لم تكن البشارة موجودة فيهما لجاهر بتكذيبها أصحاب العهدين.
قال تعالى: (الذين يتّبعون الرسول النبيّ الاُمّي الذي يجدونه مكتوباًعندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ...).
وصرّحت الآية السادسة من سورة الصف بأن عيسى ـ عليه السَّلام ـ صدَّقَ التوراة بصراحة وبشّر برسالة نبيّ من بعده اسمه أحمد. وقد خاطب عيسى ـ عليه السَّلام ـ بني اسرائيل جميعاً لا الحواريين فحسب.
أهل الكتاب ينتظرون خاتم النبييّن ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ
لم يكتف الأنبياء السابقون بذكر الأوصاف العامة للنبيّ المبشَّر به، بل ذكروا أيضاً العلائم التي يستطيع المبَشَّرون من خلالها معرفته بشكل دقيق، مثل: محل ولادته، ومحل هجرته وخصائص زمن بعثته، وعلائم جسمية خاصة، وخصائص يتفردّ بها في سلوكه وشريعته.. ولهذا قال القرآن عن بني إسرائيل بأنهم كانوا يعرفون رسول الإسلام المبشَّر به في العهدين كما يعرفون أبناءَهم.
بل رتبوا على ذلك آثاراً عملية فاكتشفوا محل هجرته ودولته فاستقروا فيها وأخذوا يستفتحون برسالته على الذين كفروا ويستنصرون برسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على الأوس والخزرج'>الأوس والخزرج وتسرّبت هذه الأخبار الى غيرهم عن طريق رهبانهم وعلمائهم فانتشرت في المدينة وتسرّبت الى مكة.
وذهب وفد من قريش بعد إعلان الرسالة إلى اليهود في المدينة للتَثبّت من صحة دعوى النبوّة من قبل النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وحصلوا على معلومات اختبروا بها النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ واتضح لهم من خلالها صدق دعواه.
وقد آمن جمع من أهل الكتاب وغيرهم بالنبيّ محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على أساس هذه العلائم التي عرفوها من دون أن يطلبوا منه معجزة خاصة، وهذه البشائر تحتفظ بها لحد الآن بعض نسخ التوراة والانجيل.
وهكذا تسلسلت البشائر بنبوة خاتم النبيين محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من قبل ولادته، وخلال فترة حياته قبل بعثته، وقد عرف واشتهر منها إخبار بحيرا الراهب وغيره إبّان البعثة المباركة.
وقد شهد علي أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ بهذه الحقيقة التأريخية حين قال في إحدى خطبه: "... الى أن بعث الله سبحانه محمداً رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لإنجاز عِدَتِه واِتمام نبوّتِه، مأخوذاً على النبيين ميثاقه مشهورةً سِماتُه..".
وقد جاء في طبقات ابن سعد عن سهل مولى عتيبة انه كان نصرانياً من أهل حريس، وانه كان يتيماً في حجر اُمّه وعمّه وأنه كان يقرأ الإنجيل، قال: "...فأخذت مصحفاً لعمي فقرأته حتّى مرّت بي ورقة فانكرت كتابتها حين مرّت بي ومسستها بيدي، قال: فنظرت; فاذا فصول الورقة ملصق بغراء ، قال: ففتقتها فوجدت فيها نعت محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم: انه لا قصير ولا طويل، أبيض ذو ضفيرتين، بين كتفيه خاتم يكثر الاحتباء ولا يقبل الصدقة ويركب الحمار والبعير ويحتلب الشاة ويلبس قميصاً مرقوعاً، ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر وهو يفعل ذلك، وهو من ذرّية اسماعيل، اسمه أحمد. قال سهل: فلما انتهيت الى هذا من ذكر محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ جاء عمّي فلّما رأى الورقة ضربني وقال: مالك وفتح هذه الورقة وقراءتها؟! فقلت: فيها نعت النبيّ احمد، فقال: إنّه لم يأتِ بَعدُ.