بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على خير الأنام وسيد الكائنات، سيدنا محمد بن عبد الله وأهل بيته سفن النجاة ومصابيح الهدى، السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات وأهلاً بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة، وقد مر علينا تفسير أربعين آية من سورة مريم المباركة.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الحادية والأربعين والثانية والأربعين من هذه السورة:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ﴿٤١﴾
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ﴿٤٢﴾
الآيات الأربعون التي مرت علينا تحدثت عن جوانب من حياة زكريا ويحيى وعيسى وأمه مريم عليهم السلام، أما في هذا النص فيأتي حوار بين سيدنا إبراهيم عليه السلام وأبيه؛ ويوصف هذا النص إبراهيم (ع) بالصديق، وقد مر علينا أن هذا اللقب كان لنبي آخر من أنبياء الله، وهو سيدنا يوسف عليه السلام.
والصديق هو الذي يطابق ما في قلبه ما على لسانه، والذي تقوم أعماله كاملة على الصدق، والمراد من أبيه في النص ليس أبو إبراهيم عليه السلام، بل عمه الذي رباه، وكيفما كان فهو تعبير مجازي، وتاريخ الأنبياء عليهم السلام يؤثر على أن والد إبراهيم كان موحداً، بينما كان عمه مشركاً.
سيدنا إبراهيم عليه السلام وبأسلوب لين توجه بالكلام إلى عمه وأبان له أن الشرك وعبادة الأصنام ليست عقيدة حقة؛ نعم، الأصنام جمادات ليست إلا لاتقي ولاتسمع ولاتبصر، فكيف يكون لها الخلق والإبداع؟!
أما الدروس المأخوذة من هذا النص فهي:
- للدعوة إلى الحق والإرشاد إلى سواء السبيل ينبغي البدء من الأقارب.
- ليس لكبر السن أو صغره من أثر في النهي عن المنكر، فبإمكان الصغير أن ينهى الكبير عن المنكر.
- ثالثاً: في النهي عن المنكر لابد من تقديم النهي عن المنكرات العقائدية عن غيرها من المنكرات الأخلاقية والإجتماعية.
ويقول تعالى في الآية الثالثة والأربعين من سورة مريم (س):
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴿٤٣﴾
في هذه الآية يأتي الحديث عن نبوة إبراهيم عليه السلام حيث قد تفضل الله برسالة غراء، ويبين إبراهيم (ع) لعمّه الذي سماه القرآن أبيه أن الحق في عبادة الله وترك عبادة الأصنام إذ في اتباع سبيل الحق، الهداية إلى الصراط المستقيم.
والآن لنستمع إلى الدروس التي يستفيدها الإنسان من هذه الآية المباركة فهي:
- إن حذور الشرك تكمن في الجهل بالحقيقة، ومن هنا فإن بعثة الأنبياء والرسل عليهم السلام هي لبيان ما تنطوي عليه عقيدة الشرك من أضرار.
- إن الملاك في الوصول إلى الحقيقة ونيلها إتباع أهل العلم لا اتباع الكبراء في السن إن كانوا من غير أهل العلم.
- إن الطريق الذي تدعو إليه رسالات السماء هو الطريق الوسط لا إفراط فيه ولا تفريط.
والآن نصغي إلى تلاوة الآيتين الرابعة والأربعين والخامسة والأربعين من سورة مريم:
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيًّا ﴿٤٤﴾
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴿٤٥﴾
من بعد أن يذم سيدنا إبراهيم عليه السلام عبادة الأصنام يتحدث عن إتباع الشيطان الذي رفض السجود لآدم عليه السلام وعصى بذلك أمر الله، فهو للإنسان عدو مبين، إن الذين تنكروا للعقل السليم والفطرة السليمة راحوا يغوصون في أحوال الجهل، وفيه يتخبطون والشيطان يتبعون، والشيطان هو الذي يغويهم ويرغبهم في عبادة الأصنام وترك عبادة الله الواحد الأحد جل وعلا.
إن الله تبارك وتعالى رحمان رحيم، لكن من يسير في دائرة الشيطان يخرج من دائرة الرحمان.
وما يفيده إيانا هذا النص:
- للنهي عن المنكر لابد من استخدام لغة المشاعر والأحاسيس، فهي أبلغ تأثيراً من اللغة الجافة وقد لاحظنا كيف أن سيدنا ابراهيم عليه السلام يخاطب عمه بقوله "يا أبتي" وهذا من حسن الأخلاق وجميل الكلام.
- في بعض الأحيان يتصرف الإنسان تصرفات تبعده عن رحمة الله وتكون سبباً في نزول الغضب الإلهي عليه، على أن رحمة الله سبقت غضبه وهو بالعباد أرأف من الأم بوليدها، فهو تعالى الرؤوف الرحيم.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.