بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وخاتم السفراء المقربين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، السلام على حضرات المستمعين الأكارم في كل مكان، مرة أخرى يجمعنا وإياكم نهج وضاء، هو نهج الحياة ونهج القرآن الذي فيه تبيان كل شيء. هذا السفر الخالد تحدث عن أنبياء عظام ورسل كرام، منهم سيدنا عيسى عليه السلام الذي جاءت قصة ولادته في سورة مريم المباركة.
وكنا قد قدمنا تفسيراً موجزاً لـ 34 آية من هذه السورة، والآن نستمع إلى تلاوة الآية الخامسة والثلاثين، حيث يقول تعالى شأنه:
مَا كَانَ لِلَّـهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿٣٥﴾
سيدنا عيسى (ع) قد تكلم في المهد وقال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً، وأخبر عن موته ومبعثه، شأنه في ذلك شأن سائر الناس؛ وتأتي هذه الآية الشريفة لتبين لنا أن الله تعالى ما كان أن يتخذ ولداً، فهو منزه عن هذا وما يقوله البعض أن لله ولد هو خلاف الحقيقة.
نعم، لقد ولد عيسى (ع) من دون أب وبإذن الله، لكن هذا لا يعني أنه ابن الله، تعالى الله عما يقولون، إن إرادة الله تعالى إذا ما اقتضت أن يولد إنسان من دون أب فإن هذا يحدث بأمر الله، أليس آدم عليه السلام خلقه الله ولم يكن له أب بل ولا أم أيضاً، وهو ليس ابن لله بل عبد لله تعالى، وكذا المسيح عيسى بن مريم(س)؛ وعلى أي حال فإن ما نأخذه من دروس من هذا النص المبارك هو كالآتي:
- إن الله تعالى هو الخالق والقادر المطلق، يقل للشيء كن فيكون.
- إن من أهل الكتاب من هم على عقائد باطلة ولابد هنا من تنوير أذهانهم بنور الحقيقة كي تزال عنهم ظلمات الباطل.
- إن العلاقة بين الله والخلق هي علاقة الخالق مع المخلوق، لا علاقة الأب والإبن.
ويقول تعالى في الآية السادسة والثلاثين من سورة مريم (س):
وَإِنَّ اللَّـهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴿٣٦﴾
إن هذا النص هو كلام جرى على لسان عيسى عليه السلام من أن الله تعالى ربي وربكم أيها الناس فاعبدوه وإن صراطه تعالى هو الصراط المستقيم.
والدروس المأخوذة من هذا النص:
- إن عقيدة التثليث، أي الأب والإبن وروح القدس، عقيدة باطلة وهي خلاف الصراط المستقيم.
- إن العبادة والإنقياد هما لله تعالى فهو جدير بالعبادة دون غيره، حتى وإن كانوا من الأنبياء والأولياء العظام.
والآن نسمتع إلى تلاوة الآيتين السابعة والثلاثين والثامنة والثلاثين من سورة مريم المباركة:
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ۖ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٣٧﴾
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ۖ لَـٰكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٣٨﴾
كما يبدو من هذا النص فإن النصارى قد اختلفوا إلى فرق وجماعات، كل فرقة كان لها رأي في المسيح عليه السلام، وقد تشتتوا من بعد ذلك وآراءهم يوم القيامة باطلة ولا أساس لها.
وأي فائدة في هذا الضلال والإنحراف؟ وفي يوم القيامة ترى أعينهم الحقيقة وتسمعها آذانهم وهم بها إذ ذاك يشهدون، والمأخوذ من هذا النص الشريف أمران هما:
- إن من الآفات التي تلحق أتباع الأديان الإلهية، التفرق والتشتت وهذا ظلم كبير بتعاليم الرسل والأنبياء عليهم السلام.
- إن على الإنسان أن يتخذ في هذه الدنيا إلى الصراط المستقيم سبيلاً ويكون فيه ثابت القدم، راسخ العقيدة.
والآن نصغي إلى تلاوة الآيتين التاسعة والثلاثين والأربعين من سورة مريم المباركة:
وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٣٩﴾
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴿٤٠﴾
حتى هنا تحدثت سورة مريم المباركة عن ولادة عيسى والعقائد المنحرفة التي سار عليها أتباعه، ويأتي هذا النص خطاباً لرسول الله (ص) لكي يحذر أهل الكتاب من أن في انتظارهم إن بقوا على ضلالهم يوم عسير، هو يوم الحسرة، نعم إنه يوم القيامة وفيه الحكم الفصل لله العظيم.
والمستفاد من هذا النص هو:
- أإن غفلنا عن الحقيقة في الدنيا، لم يكن لنا في القيامة إلا الحسرة والندم.
- إن الدنيا وما فيها من مال وجاه فانية، فلماذا نغتر بها؟
وقد روي عن سيد الوصيين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، أنه قال "إن الدنيا تغر وتضر وتمر وإنها دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة".
نسأل الله أن ينأى بنا عن غرور هذه الدنيا ويجعلها مزرعة خير لآخرتنا فهي دار القرار، والسلام خير ختام.