بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد الأولين والآخرين سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى آله آل الله.
السلام على إخوة الإيمان وأتباع القرآن، ها نحن وإياكم مرة أخرى في أفياء هذا الكتاب الكريم وقد أنهينا حتى الآن تفسير 11 آية من سورة مريم عليها السلام.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الثانية عشرة والثالثة عشرة من هذه السورة المباركة:
يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴿١٢﴾
وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا ﴿١٣﴾
إن الله تعالى وهب زكريا (ع) وامرأته التي كانت عاقراً وعلى الكبر وهبهما ولداً سماه يحيى، ويفيد هذا النص أن الباري جل وعلا قد منح يحيى عليه السلام العقل الراجح لفهم الحكمة الإلهية، كان يحيى سلام الله عليه طاهر الثوب، نقي السريرة، رؤوف بالناس.
وقد كلف الناس سيدنا يحيى (ع) بنشر تعاليم التوراة وإشاعتها بين الناس بكل جد وإخلاص، والمستفاد من العديد من آيات القرآن الكريم إن الله تعالى أوحى أتباع الأنبياء الكرام صلوات الله عليهم بإتباع الشرائع السماوية والعمل بها في زمان ومكان.
وأما الدروس المأخوذة من هذا النص فهي:
- أن على الأنبياء (ع) وأتباعهم إجراء مفاد أحكام السماء والذود عن حياض الشرائع الإلهية المقدسة.
- إن حب الآخرين والرأفة بهم هي صفة إلهية تجسدت في أولياء الله العظام، حتى إن القرآن الكريم يصف الرسول (ص) بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة من سورة مريم:
وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا ﴿١٤﴾
وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴿١٥﴾
في هذا النص يذكر القرآن الكريم العديد من الصفات التي اتصف بها سيدنا يحيى بن زكريا على نبينا وآله وعليهما الصلاة والسلام، نعم سيدنا يحيى عليه السلام كان عبداً مطيعاً لله وتقياً وكان بوالديه بار ولم يكن جباراً شقياً، وكان محباً للناس وذا رأفة بهم.
وفي هذا النص إشارة إلى ثلاث مراحل يمر بها الإنسان في حياته الدنيوية، وفي هذه المراحل الثلاث وفر الله للإنسان المؤمن الأمن والسلام وهو المستفاد من قوله تعالى (السلام علي)، لكن يا ترى ما هي هذه المراحل؟
نعم، للإجابة عن هذا السؤال نقول إنها اولا مرحلة الولادة والقدوم على هذه الدنيا. ثانياً: مرحلة الموت أو وقت الموت والخروج من هذه الدنيا. وثالثا: يوم القيامة والمثول أمام محكمة العدل الإلهي هي آخر مرحلة في حياة الإنسان.
نعم، المؤمن الحقيقي يصل إلى حياته الحقيقية عندما يبعث من بعد الموت وهذا ما يوميء إليه قوله تعالى وإن الآخرة لهي الحيوان، والمراد من كلمة السلام في مثل هذه الآيات ليس مجرد السلام لفظاً، بل المراد هنا الأمن والسلام الذي ينأى المؤمن عن كل ما يخالف طبعه ويكون مكروهاً لديه.
أما ما نستفيده من هذا النص فهو:
- إن الإحسان إلى الوالدين أمر واجب على الإنسان في كل وقت، ولا يسقط هذا الواجب عنه حتى وإن تبوأ أرفع المناصب اجتماعياً كانت أم سياسياً أم غير ذلك.
- إن الحياة السليمة والموت بسلام في ظل العمل الصالح والإحسان إلى الوالدين والإبتعاد عن الآثام والمعاصي.
نعم لكل بني الإنسان إذا ما كانوا في تلك الظلال الوارفة أن يحيوا حياة طيبة، الحياة التي رسم معالمها القرآن الكريم.
ويقول تعالى في الآيتين السادسة عشرة والسابعة عشرة من سورة مريم المباركة:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ﴿١٦﴾
فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴿١٧﴾
في النص الذي تلي خطاب إلى رسول الله (ص) أن يذكر للناس قصة البتول مريم التي انتبذت مكاناً شرقياً، بتعبير القرآن الكريم، نعم السيدة مريم عليها السلام اتخذت في بيت المقدس مكاناً للعبادة وقد ابتعدت عن الناس، وبإرادة الله تعالى رأت مريم (س) ملكاً من ملائكته المقربين رأته بصورة إنسان، وقد داخلها العجب كيف تعرف هذا الملك بصورة الإنسان على مكان خلوتها وعبادتها.
على أي حال سنتابع أحداث قصة مريم والمسيح عليهما السلام في الحلقة القادمة بإذن الله، والآن نعرض لكم الدروس المستفادة من هذا النص وهي:
- ليس هناك أي فرق بين الرجل والمرأة في نيل الكمالات المعنوية، نعم النبوة هي الفضيلة الوحيدة التي خصها الله تعالى للرجال ولم يبعث من النساء نبياً.
- إن جبرائيل والملائكة عليهم السلام قد ينزلون على غير الأنبياء (ع) ويحدثونهم.
- في إمكان المرأة الوصول إلى هذه المكانة الرفيعة وهي لقاء الملائكة كما حدث للعذراء عليها السلام.
دمتم سالمين والسلام خير ختام.