البث المباشر

تفسير موجز للآيات 6 الى 11 من سورة مريم

الثلاثاء 3 مارس 2020 - 04:09 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 521

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، أسعد الله أوقاتكم وأهلاً بكم في لقاء قرآني جديد، آيات ست أخرى من سورة مريم المباركة نفسرها تفسيراً موجزاً في هذه الحلقة، حيث نبدأ الإستماع إلى تلاوة الآيتين السادسة والسابعة من هذه السورة وهي قوله تعالى:

يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴿٦﴾ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا ﴿٧﴾

كما مر علينا في الحلقة الماضية فإن القلق كان يساور سيدنا زكريا من أن يموت ويخلفه من بعده من هو غير أهل وغير كفوء لصيانة المال الذي كان عنده بشكل نذور، ومن هنا طلب من الله أن يهبه ولداً صالحاً يكون أهلاً لتسلم هذه المسؤولية، وفي هذا النص كما هو واضح، جاءت الإشارة إلى ميراث آل يعقوب (ع)؛ لقد كانت زوجة زكريا عليه السلام من نسل سيدنا سليمان عليه السلام، وسليمان عليه السلام هو من نسل يهودا من أبناء يعقوب، على نبينا وآله وعليهم الصلاة والسلام، وكانت إمرأة زكريا قد ورثت عن أجدادها أموالاً طائلة وكان زكريا يخشى أن تقع هذه الأموال في أيدي الفاسدين الفاجرين فيعيشون في الأرض فساداً فوق فساد.

وكان دعاء زكريا أن يهبه الله تعالى ولداً ويجعله رضياً، ومن وجهة نظر بعض المفسرين فإن المراد من قوله تعالى "يرثني ويرث من آل يعقوب" هو الميراث المعنوي أو ميراث النبوة، لكن الوجه الآخر أي الميراث المادي متصور كذلك وكلا الإحتمالين وارد، أي أن زكريا أراد أن يكون ولده نبياً وفي ذات الوقت أميناً على الأموال التي كانت عنده، وأجاب الله تعالى دعاء عبده الصالح زكريا ووهب له غلاماً زكياً.

واختار الله تعالى لولد زكريا اسم يحيى وبعثه في الصغر نبياً، والله أعلم حيث يجعل رسالته، نعم كان سيدنا يحيى عليه السلام كامل العقل وهو في سن الطفولة، وعاش يحيى عليه السلام حياته في سفر وتجوال ولم يختر له زوجة، وهكذا كان عيسى بن مريم.

والمستفاد من هذا النص:

  • إن طلب الولد حاجة طبيعية عند الإنسان وليس في هذا تناقض مع مقام النبوة السامي.
  •  لابد من الدقة في اختيار أسماء الأبناء.

ويقول تعالى في الآيتين الثامنة والتاسعة من سورة مريم عليها السلام:

 

قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴿٨﴾

قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴿٩﴾

لقد طلب زكريا عليه السلام من الله أن يهبه ولداً، بيدأنه لم يكن يعرف بأي شكل سيحقق الله رغبته؛ هل إن الله يعيد له ولزوجه الشباب ومن بعد ذلك يهبه الولد أم أنه تعالى يهبه الولد وهو في سن الكهولة؟

على أن مثل هذا التساءل والإندهاش ليس فيه أدنى تعارض مع منزلة النبوة، ذلك أن علم الأنبياء عليهم السلام محدود وإذا كان لهم بإذن الله من علم الغيب فهو الآخر محدود.

إن الله تعالى هو الحاكم المطلق في هذا الكون إذ بيده ملكوت السموات والأرض وكل الأمور جارية بأمره وإذنه، وإنه تعالى إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون.

والذي يفيده إيانا هذا النص:

  •   لا ينبغي للعقيمين من الرجال والنساء اليأس من رحمة الله، فقد أثبتت الأحداث والتجارب أن الله تعالى أنعم على مثل هؤلاء بنعمة الولد والحمد لله رب العالمين.
  •  إن التفكر في ذات النفس يزيل كل شكوك منها حول قدرة الله تعالى.

ولعل إلى هذا المعنى إشارة مولى الموحدين علي عليه السلام حينما قال (من عرف نفسه فقد عرف ربه).

والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين العاشرة والحادية عشرة من سورة مريم المباركة:

قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﴿١٠﴾

فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴿١١﴾

كما يذكر المفسرون فإن سيدنا زكريا عليه السلام لما سمع النداء الموجه إليه، طلب آية عليه لكي يستدل على أن هذا النداء هو نداء السماء والملكوت ووحي الله المبين.

وجاءت الآية أو لنقل الدليل وهي أن لا يكلم زكريا الناس ثلاث ليال سوياً، لكن يبقى فيها ذاكراً لله تعالى شأنه، وبعد أن تلقى زكريا من ربه آية خرج من محرابه وأوحى الناس بالصلاة صبحاً وعشياً، لكن وصيته هذه جاءت على نحو الإشارة لا الكلام المسموع امتثالاً لأمره تباركت أسماؤه.

وأما الدروس المستقاة من هذا النبع الإلهي الفياض فهي:

  •   إن أعضاء الإنسان وجوارحه تحت إرادة الله وإذا لم يرد الله لها الحركة فإنها في سكون.
  •  إن ذكر الله وعبادته لابد أن يكون دائماً لا محدوداً بوقت محدد.

جعلنا الله إياكم من الذاكرين إنه خير مجيب ومعين والسلام على عباد الله الصالحين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة