بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله آل الله، واللعن الدائم على أعدائهم أعداء الله.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في حلقة جديدة من نهج الحياة؛ إعتباراً من هذه الحلقة سنبدأ بإذن الله تفسير سورة مريم المباركة وهي السورة التاسعة عشرة من سور القرآن وهي سورة مكية، أي أنها نزلت في مكة المكرمة وتتحدث عن النبي زكريا والعذراء مريم وعيسى عليهم السلام.
وفيها إشارات إلى العديد من الأنبياء مثل يحيى وإبراهيم وإسماعيل وإدريس صلوات الله عليهم.
والآن وبعد هذه المقدمة نستمع إلى تلاوة الآيات الأولى حتى الثالثة من هذه السورة:
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
كهيعص ﴿١﴾ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴿٢﴾ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴿٣﴾
إن سورة مريم عليها السلام، وكما هو الحال في ثمانية وعشرين سورة أخرى من سور القرآن الكريم تبدأ بالحروف المقطعة التي هي من الأسرار التي لم يكتشفها البشر بعد، والمأمول أن يكشف هذا السر الآلي بظهور مولانا صاحب العصر (عج) في آخر الزمان، فأئمة الهدى هم الذين نزل القرآن في بيوتهم وأهل البيت، كما يقال، أدرى بما فيه.
وسيدنا زكريا الذي ورد اسمه في النص هو من نسل نبي الله هارون، أخ موسى عليه السلام ومؤازره في أداء مهام النبوة، وكان زكريا (ع) من أنبياء بني اسرائيل وقد ورد اسمه الشريف في القرآن الكريم سبع مرات.
إن الله تبارك اسمه يحدثنا في القرآن الكريم عن سيرة بعض الأنبياء (ع) وما مر على بعض الأقوام كي يكون للناس في هذا العبر والدروس؛ إن هذه الآيات تتحدث عن العناية الربانية بزكريا النبي الذي كان يدعو ربه خفية كي يهب له غلاماً، فإن المستفاد من الروايات هو أن أفضل الدعاء ما كان خفية وبصوت خافت لا ما هو علانية وبصوت مرتفع، والمستفاد من هذا النص فهو:
- إن ذكر أسماء الأولياء أمر قيم وقد علمنا الله ذلك في القرآن الكريم.
- إن للدعاء دور أساسي في الحياة وهو عمود الدين ونور الله في السموات والأرضين.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الرابعة والخامسة من سورة مريم (ع):
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴿٤﴾
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾
كان سيدنا زكريا، كما تذكر الروايات، قد بلغ الكهولة من العمر ولم يكن له ولد وكان يخشى أن يحل محله بعد موته من قومه من ليس فيهم الصلاح والتدين.
ومن هنا دعا زكريا ربه أن يهب له ولداً صالحاً، لكن دعاء زكريا قد يبدو في الظاهر غير قابل للتحقق، ذلك أن زكريا كان شيخاً وامرأته كانت عاقراً والحال هذه فإن الحمل لا يقع، لكن إرادة الله فوق كل قوانين الطبيعة، تحقق ما يحول القانون الطبيعي دون تحققه، أليست النار محرقة وأليست الحرارة تنتقل من الجسم الساخن إلى الجسم بارد حسب القانون الثاني من قوانين الثرموديناميك؟ لكن هذا القانون تعطل بإذن الله حينما ألقى النمرود إبراهيم عليه السلام في النار، لا بل إن النار صارت برداً وسلاماً على سيدنا ابراهيم عليه السلام.
وعلى أي حال فإن الدعاء هو أفضل السبل للوصول إلى الغايات التي تبدو ما وراء الطبيعة، وفي الدعاء بالخير نيل الأماني لكن لا أماني الشر وهوى النفس، لكن ثمة نقطة مهمة لابد لنا من الإشارة إليها هنا وهي أن الدعاء أمر مرغب فيه، بيدأنه لا ينبغي أن يحل محل العمل والسعي الدؤوب، ومن الضروري أن نعرف أن إجابة الدعاء هو على أساس الحكمة الإلهية والله يعلم ما هو صلاح الإنسان.
نعم، لا ينبغي أن ينزعج الإنسان من عدم إجابة دعاءه، فقد تكون المصلحة في عدم الإستجابة.
وإلى الدروس المأخوذة من هذا النص فهي:
- العباد المؤمنون هم على الدوام، يأملون رحمة الله، ذلك أن اليأس من رحمة الله هو السبب في شقاء الإنسان، ويقول الفقهاء أن اليأس من رحمة الله هو من الكبائر، أعاذنا الله وإياكم منها.
- إن الله تعالى بعلمه الواسع، عارف بطلبات الإنسان لكن الدعاء هو السبب في تربية روح العبودية والإخلاص في الفرد، وبذلك يعرف الإنسان أنه بحاجة إلى الله تعالى وغني عن من سواه.
- إن الولد الصالح هو نعمة إلهية، وفيه دوام لطيبات الإنسان بعد موته.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الداعين المتضرعين وأن يجعل عاقبة أمورنا إلى خير آمين يا رب العالمين.
طبتم وطابت أوقاتكم حضرات المستمعين الأفاضل وإلى اللقاء والسلام خير ختام.