بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، أعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلا بكم الى حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة، نبدؤها بتلاوة عطرة للآيات 74الى76 من سورة الكهف، فلننصت إليها خاشعين:
فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ﴿٧٤﴾
قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٥﴾
قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا ﴿٧٦﴾
عرفنا من الآيات السابقة المتحدثة عن قصة موسى والخضر (ع) أنه بعدما التقيا جنب البحر، ركبا سفينة فقام الخضر (ع) بإحداث ثقب في السفينة، فلم يتحمل موسى (ع) رؤية ذلك واعترض عليه، وتحكي لنا هذه الآيات ماجرى بعد مغادرتهما السفينة،حيث وصلا الى منطقة فأقدم الخضر (ع) على قتل فتى، من الطبيعي أن يثير مثل هذا التصرف اعتراض شديد من قبل موسى (ع)، وهذا الإعتراض طبيعي من قبل نبي من أنبياء الله.
وجاء في الروايات أن النبي الأكرم (ص) قد أخبر أنه لو كان النبي موسى (ع) قد صبر ولم يعترض لرأى المزيد من العجائب من تصرفات الخضر، ومع أن موسى (ع) كان قد وعد بالسكوت وعدم قول أي شيء، ولكنه لم ير أن السكوت جائز إزاء ما يراه مخالفاً للشرع، وقد قال ما قاله لأنه كان يرى أن من واجبه النهي عن المنكر.
من هذه الآيات نتعلم:
- أن العمل بالأحكام الشرعية والحدود، أهم من الوعود الأخلاقية والإجتماعية، ويجب أن لايمنع أي وعد أو تعهد العمل بالتعهدات الشرعية.
- يجب الإعتراض عند رؤية أي عمل غير صحيح بغض النظر عن منزلة الشخصية التي ارتكبت هذا العمل، وإن كان لديه عذر فليفصح عنه، أي بعبارة أخرى أن مقام من ارتكب العمل لايعتبر مبرراً له.
- أولياء الله ليسو سواء في العلم والمعرفة، وكم من أعمال صالحة عند أحد تبدو غير صالحة وغير جائزة في نظر آخر.
والآن أيها الأخوة والأخوات لننصت خاشعين الى ترتيل الآية 77 من سورة الكهف:
فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴿٧٧﴾
الحادثة الثالثة بعد خرق السفينة وقتل الفتى، واللذين كانا عملين منكرين للوهلة الأولى في نظر موسى (ع)، وصلا الى قرية وشاهدا جداراً على وشك أن ينهدم، وكانا تعبين جائعين، ولكن أهالي القرية لم يستضيفوهما، ومع ذلك فقد قام الخضر لوحده بتعمير الجدار، ولم يمتنع موسى عن مساعدته فحسب، بل اعترض عليه لأنه مجاناً لهؤلاء الذين لم يعطوهم طعاماً، وقال له على الأقل كنت تطلب منهم نقوداً نشتري بها طعاماً.
من هذه الآية نستنتج:
- يجب أن لانمنع إحساننا وعمل الخير عن أحد حتى إن أساء إلينا، وأن لانقابل الإساءة بالإساءة أو بالإهمال، فإن لم يعمر الخضر الجدار، لم يكن قد ارتكب سيئة لأنه ليس من مسؤوليته فعل هذا الأمر ولكنه فعله إحساناً منه.
- عندما نشعر بحاجة إنسان ما الى مساعدتنا، فيجب أن نقدم ولا ننتظر دعوة الآخرين أو مسألتهم لنا أو توفير مقدمات الأمر، ويجب عدم الإهتمام بانتقاد ولوم الآخرين.
- إن أولياء الله يعملون دون مقابل وليس لأجل أخذ أجرة من نقود وغيرها، فإنهما ربما في نفس الوقت الذي يكونون فيه جائعين، يخدمون الناس دون انتظار أجر أو جزاء مادي.
والآن مستمعينا الكرام سننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآية 78 من سورة الكهف:
قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿٧٨﴾
بعد أن وعد موسى (ع) الخضر (ع) بأن يصبر ويتحمل، لم يستطع الوفاء بوعده واعترض ثلاث مرات على أفعال الخضر، إن رد موسى (ع) كان طبيعياً من جهة ولم يكن ليسكت عنه، ومن جهة ثانية هي علامة على اختلاف علم أولياء الله، مع أن موسى (ع) كان يعلم أن الخضر قد أصر أن يعلمه الأسرار الإلهية، ولكنه لم يتقبل رؤية هذه الأعمال والسكوت عنها، لذا لم يبق معه كثيراً وآن أوان فراقهما.
من هذه الآية نستنتج:
- علينا أن ننظر فقط الى ظاهر الأعمال، فكم فيها من أسرار خفية لاندركها، فلا نظهر الإعتراض أو الشكوى منها.
- قد يمكن أن يفترق وليين من أولياء الله وكل منهما يسلك طريقاً مختلفاً عن الآخر، فلا يمكننا أن نشكل على أي منهما أعماله.
الى هنا أعزائي المستمعين نأتي وإياكم الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة على أمل اللقاء بكم في حلقة مقبلة نستودعكم الله والسلام عليكم.