بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين أعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم وحلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، حيث مازلنا نقدم لكم تفسير سورة الكهف، نبدء هذه الحلقة بتلاوة عطرة للآيتين 62و63 منها، فلننصت إليها خاشعين:
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَبًا ﴿٦٢﴾
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴿٦٣﴾
أيها الأكارم؛ ذكرت الآيات السابقة لهاتين الآيتين أن النبي موسى (ع) خرج قاصداً لقاء الخضر (س)، وبعد أن أخذ قسطاً من الراحة جنب البحر، عزم على مواصلة السير، وكانت علامة محل اللقاء هي المكان الذي تقفز فيه السمكة الى الماء وتختفي عن الأنظار، فهناك عليه أن ينتظر الخضر (س) ليأتي للقاءه، ولكن عندما كان النبي موسى (ع) يأخذ قسطاً من الراحة جنب الصخرة وقع هذا الأمر، ونسي رفيقه في هذه الرحلة والذي رأى ماجرى أن يخبره.
والآن تطلعان هاتان الآيتان أنهما عندما ابتعدا عن البحر، طلب موسى من الفتى الذي يرافقه أن يأتيه بطعام ليسد جوعه، وهنا تذكر الفتى حادثة السمكة وكيف قفزت الى الماء واختفت.
قام النبي موسى (ع) خلال حياته بعدة رحلات وواجه مصاعب ومشاكل عديدة خلال رحلاته؛ رحلته الأولى كانت خلال هروبه وبني اسرائيل من فرعون وجنده، حيث انتهى بوصوله الى نبي الله شعيب (ع) وزواجه بابنته. رحلته الثانية كانت لدى عودته الى مصر وكان قد بعث نبياً في ذلك الحين. ورحلته الثالثة هي ذهابه الى الطور لميقات ربه ومجيئه بالتوراة، وهذه هي الرحلة الرابعة للنبي موسى (ع) وقد صادفته فيها صعوبات عديدة ومشاكل.
من هاتين الآيتين نستنتج:
- في سبيل كسب العلوم ولقاء العلماء، حتى الأنبياء قد تحملوا الكثير من المصاعب، وإن كانوا هم أنفسهم متصلون بمنبع العلوم والمعارف.
- إن شياطين الإنس والجن يصدون الناس عن تحصيل العلوم والمعارف بأي شكل من الأشكال.
والآن أيها الأخوة لننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآيتين 64و65 من سورة الكهف:
قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴿٦٤﴾
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴿٦٥﴾
بعد أن عرف موسى (ع) بخبر قفز السمكة الى الماء، عاد ورفيقه الى قرب البحر، وفي ذلك المكان وجدا الخضر (س) الذي يحظى بالعلم والحكمة اللدنية.
من هاتين الآيتين نستنتج:
- بعض العلوم لاتكتسب بالعقل والتجارب وإنما مصدرها الوحيد هو ينبوع العلوم الإلهية، وهذا هو علم الأنبياء.
- العلوم الدينية يجب أن يتعلمها الإنسان من عبد من عبيد الله كي يقربه الى الله عزوجل.
- إن لله بين الناس علماء مجهولون وغير معروفين، إن بحثنا عنهم فسوف نجدهم ونستقي من معين علومهم ومعارفهم.
والآن مستمعينا الكرام لننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآية 66 من سورة الكهفك
قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾
إن هدف موسى (ع) من تحمل مشاق هذه الرحلة هو بلوغ الرشد والكمال، لذلك ما إن رأى الخضر، حتى أفصح عن نيته واستأذنه ليتتلمذ على يديه كي يكون قد أبدى أدبه تجاه الأستاذ، وكما ترى فإن موسى (ع) قد تواضع للخضر وهذه من أخلاق الأنبياء –عليهم السلام-.
مع أن النبي موسى (ع) أحد الأنبياء أولي العزم وأنزل الله سبحانه وتعالى عليه كتاباً مقدساً وشريعة، ولكنه يجب عليه أن يتتلمذ على يد آخر لإكتساب الحقائق الباطنة والحكمة الإلهية الخافية عن الناس، ولايعرض عن إكتساب الرشد، لا التي تسبب له العجب والغرور والتكبر.
من هذه الآية نستنتج:
- للأنبياء مراتب متفاوتة من حيث التمتع بالعلوم والكمال وإن علومهم محدودة وقابلة للزيادة.
- لأجل بلوغ الرشد والكمال، يلزمنا الإستزادة من العلوم والمعارف.
- على طالب العلم أن يتواضع لأستاذه كي يسمو به ما يتعلمه على مدارج الرشد والكمال.
أعزائي المستمعين الى هنا نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة على أمل أن نلتقيكم في حلقة مقبلة نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.