بسم الله الرحمن الرحيم وبه تعالى نستعين إنه خير ناصر ومعين وصلى الله وسلم على حبيبه ورسوله الصادق الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين، والسلام عليكم أعزائنا المستمعين ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم إلى حلقة جديد من برنامج نهج الحياة والتي سنبدؤها بتلاوة عطرة للآيتين 11 و 12 من سورة الكهف فلننصت إليها خاشعين:
فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ﴿١١﴾
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ﴿١٢﴾
ذكرت الآيات السابقة أن رجالاً مؤمنين، هم أصحاب الكهف والرقيم، قد خرجوا من مدينتهم بهدف حفظ عقيدتهم وسكنوا غاراً، ودعوا الله أن يجعل لهم فرجاً من أمرهم ومخرجاً وينجيهم، وبعد ذلك أنزل الله عليهم نعاساً ونوماً ثقيلاً كما يذكر القرآن الكريم أنه لم تنم فيه أعينهم فقط، بل حتى آذانهم لم تعد تسمع شيئاً كي يوقضهم من نومهم.
الطريق هنا أن الله سبحانه وتعالى لم يقل فسلطنا النوم على أعينهم، بل يقول فضربنا على آذانهم، وربما السبب هو أن الإنسان عندما ينام بصورة طبيعية، فالذي يؤدي الى استيقاظه من نومه صوت مرتفع يطرف سمعه، وفي حالة هؤلاء الرجال فإن الله سلب قدرة السمع من آذانهم كي لا توقضهم عوامل خارجية.
وفي تتمة الآية يذكر الله عزوجل أنه بعدما أيقضهم اختلفوا فيما بينهم حول المدة التي ناموا فيها كما تذكر ذلك الآيات اللاحقة.
من هاتين الآيتين نتعلم:
- إن كانت حركة الإنسان في سبيل الله، فإن الله ينزل عليه رحمته وتأييده سواء كان في نومه أو يقظته.
- إن الله عزوجل محيط بكل شيء وبكل الأمور، مع أن الناس يختلفون في فهم وإدراك ومعرفة أمور الحياة الفردية والإجتماعية.
والآن أيها الأخوة والأخوات ننصت وإياكم خاشعين لتلاوة عطرة للآيتين 13و14 من سورة الكهف:
نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴿١٣﴾
وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَـٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴿١٤﴾
بعد أن ذكر جل وعلا أصحاب الكهف بصورة عامة تبدء الآيات برواية هجرتهم وقصتهم بالتفصيل، وفي بدايتها تدعو نبي الإسلام محمد (ص) الى سرد هذه القصة الحقيقية عنهم، ربما كانت هناك روايات مختلفة قد شاعته بين الناس حولهم، ولكن ما أنزله الله سبحانه وتعالى بهذا الشأن هو الحق والحقيقة بعينها، فهم كانوا عدة أشخاص، ليس من المهم في أي زمن عاشوا وكم كانت أعمارهم، بل المهم أنهم كانوا مؤمنين بالله وأن إيمانهم كان راسخاً، لذا فقد ربط الله على قلوبهم وزاد من إيمانهم، وبهذا فقد ثبتوا على عقيدتهم وواجهوا الصعوبات والمشكلات ولم يعرضوا عن الحياة الحقة ولم يشروا آخرتهم برفاهية العيش والعيش الرغيد.
لاشك أن الناس في مواجهتهم للمفاسد الإجتماعية على ثلاثة مجموعات: منهم من يذوب في المجتمع الفاسد ويصبح جزءاً لايتجزء منه، ولا تكون له إرادة مستقلة، بل ينجرف مع التيار، ومنهم من يمنع فساد المجتمع من الوصول إليه والنفوذ في أعماقه، أما المجموعة الثالثة فهم الذين يعملون على تغيير المجتمع الفاسد ويحملون لواء الإصلاح مثل الأنبياء والأئمة (ع).
وأصحاب الكهف كانوا من النوع الثاني، وبدلاً من الذوبان في المجتمع الفاسد، أقدموا على حفظ دينهم وإيمانهم معرضين أنفسهم لشتى أنواع الصعاب، طبعاً هؤلاء لم يكونوا ينكرون عقيدتهم أو يتكتمون عليها، بل أكدوا أن أساس الفكر السليم والإيمان القويم هو التوحيد وعبادة الله وأن كل سبيل باطل سوى السبيل الى الله.
على أي حال، إحدى الوسائل التربوبة التي يتبعها القرآن الكريم، عرض تاريخ الأجيال الماضية كي يعتبر منها اللاحقون، لذا ترى أن جزءاً لا يستهان به من القرآن الكريم يتضمن ما آل إليه مصير الأقوام السابقة والأمم الماضية، بالطبع القرآن الكريم يروي حقيقة ما جرى، وليس أساطير مفتعلة ابتدعتها أذهان وخيال بعض الشعراء والكتاب والأقوام والملل.
من هاتين الآيتين نستنتج:
- إن الله في هذه الآيات يمكن قصة أصحاب الكهف، وهذا يوضح دور القصص في التربية والتعليم، طبعاً القصص الحقيقية وليست الخيالية.
- إن تحرك الإنسان على سبيل الإيمان يستجلب التأييد الإلهي له ويستوجب الرشد وكمال الإيمان.
- إن القيام ضد الظالمين والمنكرين يتطلب إيماناً قوياً وقلباً راسخاً وهذا لن يتحقق إلا برحمة من الله وفضل.
الى هنا أعزائي المستمعين نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، فحتى نلتقيكم في حلقة مقبلة نستودعكم الله والسلام عليكم.