البث المباشر

تفسير موجز للآيات 7 الى 10 من سورة الكهف

الإثنين 2 مارس 2020 - 18:21 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 499

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على حبيب إله العالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين؛ أعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم إلى حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة التي سنبدؤها بتلاوة عطرة للآيتين 7و8 من سورة الكهف، فلننصت إليها خاشعين:

إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴿٧﴾

وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ﴿٨﴾

كان النبي الأكرم (ص) رؤوفاً بالناس وكان يعاني كثيراً عندما لايؤمن الناس، حتى خاطبه الله سبحانه وتعالى رأفة به أن لا يقتل نفسه حزناً وغماً على الذين لايؤمنون، وفي هاتين الآيتين يبين الله سبحانه حقيقة أنه عزوجل جعل الدنيا إمتحاناً للناس في حين أن زينة الدنيا وزبرجها سرعان تنقضي ويأتي يوم لا تجد فيه أثراً لكل هذا البريق، وفي الحقيقة فأن هذه النعم الدنيوية وزينتها وبريقها ما هي إلّا وسيلة لامتحان البشر كي يستغلها الانسان إما لإنجاز الأعمال الحسنة –وفقنا الله واياكم أن نكون منهم- أو والعياذ بالله لركوب المعاصي وارتكاب الذنوب –نسأل الله أن يعصمنا من ارتكابها برحمته وفضله- وطبعاً لا تسير الدنيا دائماً على حال واحد، فتارة خضراء نضرة وتارة يابسة قاحلة، وتارة يسيرة وتارة عسيرة، وامتحان الإنسان فيها يكون متنوعاً وبذلك يتجلى جوهره ويعرف هل هو من الشاكرين أم من الكافرين الجاحدين.

من هاتين الآيتين نتعلم:

  • إن زينة الحياة الدنيا زائلة ولا تبقى، ويمكن الإستفادة منها واستغلالها لإنجاز الأعمال الحسنة، ولكن يجب أن لا نعلق الآمال عليها وتتعلق قلوبنا بها لأنها ستفنى بالنهاية.
  • جميع النعم الإلهية هي وسائل لامتحان البشر لأن كل ما أنعم الله به علينا سيسألنا عنها وكل مسؤول بقدر علمه فليعد الجواب.
  • إن نوعية الأعمال الصالحة هي المهمة وليست كميتها وأن الله عزوجل يطلب منا إذ نقدم أفضل الأعمال (أحسن عملاً) وليس أكثر الأعمال (أكثر عملاً).

 

والآن أيها الإخوة والأخوات لننصت وإياكم خاشعين إلى تلاوة عطرة للآيتين 9و10 من سورة الكهف:

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴿٩﴾

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴿١٠﴾

عندما تناولنا هدف نزول هذه السورة في الحلقة الماضية ذكرنا أن زعماء قريش كانوا قد أرسلوا رجلين إلى علماء اليهود للسؤال عن النبي (ص)، فأشار عليهم علماء اليهود أن يسألوه ثلاثة أسئلة، فإن أجابهم جواباً شافياً فهو نبي وإلا فهو مدع كذاب.

السؤال الأول حول فتية اعتزلوا قومهم وسألوا النبي (ص) عما آل إليه مصيرهم، فوعدهم النبي (ص) أن يخبرهم بالجواب في الغدة ولكنه لم يقل (إن شاء الله)، فلم ينزل عليه الوحي إلا بعد أن مضى 15 يوماً وقد أمضى هذا الأمر النبي (ص).

أما أصحاب الكهف فهم جماعة، فتية من المؤمنين، كانوا يعيشون في نعمة ورفاهية ولكنهم أعرضوا عن الدنيا والرفاهية من أجل حفظ دينهم لجأوا إلى جبل، وهناك وجدوا غاراً فدخلوه، وستأتي التفاصيل في الآيات اللاحقة.

في هذه الآيات وردت إلى جوار كلمة الكهف، كلمة (الرقيم)، وهو إما أن يكون اسم المنطقة أو الجبل الذي لجأوا إليه، وإما أن يكون (أصحاب الرقيم) صفة أخرى لأصحاب الكهف ذلك لأن أسمائهم كتبت فيما بعد على لوحة وضعت على مدخل الغار، لأن (الرقيم) يعني الكتاب، والمرقوم من رقم يعني كتب.

وطبقاً لما جاء في كتب التاريخ فإن قصة أصحاب الكهف وقعت بعد ظهور النبي عيسى (ع) في أرض يحكمها الروم وكان طاغوت ذلك الزمان يدعى دقيانوس.

أشار القرآن الكريم في هاتين الآيتين إلى أن أصحاب الكهف قد فروا بدينهم من المدينة إلى غار، وكلمة (فتى) تعني سخي وكريم ولا تعني هنا شاب أو حدث، فكما ذكر الإمام الصادق (ع): "إن بعضهم كان شيخاً ولكن القرآن سماهم فتية لإيمانهم" وبدء القرآن بسرد قصة أصحاب الكهف منذ هجرتهم إلى الغار ولم يذكر ما كانوا عليه من قبل ذلك، ولكن من دعاءهم أثناء هجرتهم فهو لاشك يبين لنا أن هدفهم من ذلك هو السمو والتعالي والكمال، وليس نزاعاً سياسياً أو عائلياً أو ما شابه، ما استدعى هجرهم من المدينة ولجوئهم إلى جبل، أي أنهم يبحثون عن طريقة كي ينجو بعقيدتهم وإيمانهم طريقة لترافقهم العناية الإلهية، حتى إذا كانت مصحوبة بصعوبة العيش ومشقته.

من هاتين الآيتين نستنتج:

  • إن لزوم الدين أهم من حفظ البيت والأسرة حتى إن استدعى الأمر الهجرة والخروج عن كل ما يملك ومواجهة المشاكل والصعاب.
  • الدعاء الذي يرافقه عمل هو الصواب، فأصحاب الكهف أقدموا أولاً على الهجرة ثم دعوا الله طلباً لرحمته ورأفته.
  • الفتوة في الثقافة الدينية تعني الخروج عن الدنيا ونبذها في سبيل حفظ الدين وترك البيئة الفاسدة في سبيل حفظ القيم.

 

أعزائي المستمعين إلى هنا نأتي إلى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، على أمل اللقاء بكم في حلقة قادمة نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة