بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين وأفضل صلواته وأزكى تسليماته على نبينا طه الأمين وأهل بيته الغر الميامين، حضرات المستمعين الأكارم أسعد الله أوقاتكم بالخير وأهلاً بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة، البرنامج الذي يقدم لكم تفسيراً موجزاً لآيات الله البينات ولانزال وإياكم في ظلال سورة الإسراء المباركة، حيث أنهينا لحد الآن تفسير 97 آية منها، والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الثامنة والتسعين والتاسعة والتسعين من هذه السورة:
ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﴿٩٨﴾
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا ﴿٩٩﴾
يأتي هذا النص الشريف ليجيب على واحدة من أقدم الشبهات حول المعاد، نعم.. الكفار ينكرون المعاد الجسماني، لكن الله تعالى هو القادر المقتدر، وسع كرسي قدرته السماء والأرض، يحيي ويميت، ويميت ويحيي وهو حي لا يموت جل جلاله وعظم شأنه.
إن هذه هي الحقيقة الناصعة التي لا سبيل إلى إنكارها، لكن الذين في قلوبهم مرض وخالط العناد نفوسهم يأبون قبولها والتسليم لها؛ إن قبول هذه الحقيقة يعني السير على الصراط السوي والكفار لا يريدون في الحياة نهجاً سوياً.
والدروس المستفادة من هذا النص هي:
- إن إنكار المعاد سببه عدم درك قدرة الله تعالى وإلا فإن ليس عند الكفار أي دليل عقلي أو منطقي لرفض المعاد.
- إن المعاد الجسماني، ذلك أن الله تعالى يبعث من في القبور ويبرز الخلق للواحد القهار، وترى كل نفس ما كسبت.
- إن المعصية والظلم هما جذور الكفر، ومن هنا ينكر العاصي الحق ليمشي في طريق المعصية وساءت سبيلاً.
ويقول تعالى في الآية المئة من سورة الإسراء:
قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا ﴿١٠٠﴾
تشير هذه الآية إلى سبب آخر من أسباب الكفر وهو البخل، حيث لو كانت خزائن الكون للكافرين لما أنفقوا منها ولبقوا على همهم في جمع الثروات واكتنازها وإن من يريد الوصول إلى الكمال لابد أن ينزع عن نفسه رداء البخل ويلبس حلة الكرم والسخاء؛ وهناك من يرى أن البخل قبال السخاء، كالجهل قبال العلم، وعليه فإن البخل والجهل مذمومان لأن العلم والكرم مقبولان.
والذي نستفيده من هذه الآية:
- إن جمع المال واكتناز الثروات تقوي لدى الإنسان صفة البخل، ومن هنا نلاحظ أن البعض من الأثرياء يرفضون قبول الأديان لأن الدين يذم البخل ويحث على الكرم.
- إن الله تعالى قد أودع في النفس صفة الكرم، وما أجمل ما يتحلى الإنسان بهذه الصفة.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الأولى بعد المئة من سورة الإسراء وهي قوله تعالى:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا ﴿١٠١﴾
إن هذه الآية وعدة آيات تليها تعرض لنا جانباً من الحوار الذي جرى بين موسى عليه السلام وفرعون، وتعكس نمطين من التفكير، تفكير قائم على أساس الحق وتفكير متكئ على باطل، وتوضح الآية أن موسى عليه السلام كانت له تسع معجزات، كلها من عند الله تعالى وكلها بينات واضحات، ومن هذه المعجزات، انقلاب عصى موسى عليه السلام إلى حية وانبلاج طريق وسط الماء ونبع 12 عيناً، كل هذه المعجزات رفضها فرعون الطاغية واعتبرها من ضروب السحر وعد موسى ساحراً أو إنه كان مسحوراً.
نعم، إن استكبار الفرعون الذي رفض الإنصياع لإرادة الله تعالى وتحرير بني اسرائيل، وعلى أي حال إن الذي نستفيده من هذا النص هو:
- ليس من واجب الرسل والأنبياء عليهم السلام إقامة المعجزات كي يتصور البعض أنهم سحرة، نعم.. إن واجب الأنبياء (ع) هو هداية البشرية إلى طريق الحق، وإذا ما جرت المعجزات على أيديهم بأمر الله تعالى فهي لإثبات نبوتهم وتأييد رسالاتهم، صلوات الله عليهم أجمعين.
- إن السفراء الربانيين هم الذين يبادرون إلى نشر الرسالة السماوية ولاينتظرون من الناس أن يسألونهم طريق الهداية.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا للسير على خطى الأنبياء والمرسلين ويجعلنا وإياكم من المتمسكين بعترة سيد المرسلين آمين يا رب العالمين.