بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته أبي القاسم محمد المصطفى وأهل بيته سفن النجاة ومصابيح الهدى في الهلكات.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلا بكم في هذه الحلقة من نهج الحياة، حيث لازلنا في رحاب سورة الإسراء المباركة ونبدأ بتفسير الآية الرابعة والتسعين وهي قوله تعالى:
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّـهُ بَشَرًا رَّسُولًا ﴿٩٤﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن مشركي مكة كانوا يتذرعون الذرائع من أجل أن لايؤمنوا برسالة الإسلام، ومن هذه الذرائع أن يروا الله والملائكة، أو يصعد النبي إلى السماء ويأتي معه بكتاب يرونه ويقرأونه، بينا تشير هذه الآية إلى جذور هذا الفهم الخاطيء، إذ توضح أن ما يريده هؤلاء الكفار هو الحديث المباشر معهم من قبل الله تعالى وملائكته، لكن الحكمة الإلهية اقتضت أن الله تعالى يبعث في الناس الرسل والأنبياء من البشر كي يكون في قولهم وعملهم، عليهم السلام، الهداية والرشاد للناس.
إن كون النبي بشر، نقطة قوة فيه، فالنبي أي نبي كان، يصل بفضل اتصاله بوحي السماء إلى مراتب الكمال، على رغم ما لديه من غرائز البشر وشهواتهم.
أما المستفاد من هذه الآية فهو:
- إن إيجاد العقبات أمام رسالة الأنبياء عليهم السلام، حيث يحرم من فيض الهداية والرحمة الربانية.
- إن الإنسان هو أشرف مخلوقات الله تعالى، ومن هنا الباري تعالى خلفه في الأرض وبوأه مكانة الرسالة السامية.
والآن نستمع إلى تلاوة الخامسة والتسعين من سورة الإسراء المباركة:
قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا ﴿٩٥﴾
توضح هذه الآية أن الله تعالى يرسل الأنبياء والرسل من البشر لأن الذين على الأرض هم البشر ولو كان على الأرض ملائكة لأرسل الله أنبياءه إليهم من الملائكة كذلك.
إن هذه هي سنة الله في خلقه أن يرسل الأنبياء من جنس الناس لكي يمكن للناس أن يجعلوا النبي في قوله وعمله نموذجاً لهم يسيرون في ظل هدايته إلى السداد والرشاد؛ ولا ريب أن وصول الإنسان إلى مرحلة الكمال ليس بحيازته الماديات وحسب، بل لابد من المعنويات، والرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم الذين يشيعون المعنويات في المجتمع بفضل اتصالهم بذات القدس الربوبي، جلت قدرته.
والذي نأخذه من هذه الآية:
- إن من لوازم التربية، التجانس بين المربي والمربى.
- إن سنن الله تعالى التي لا تقبل التغيير، بعث الرسل والأنبياء عليهم السلام.
ويقول تعالى في الآية السادسة والتسعين من سورة الإسراء المباركة:
قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿٩٦﴾
بعد ما كثرت الذرائع من قبل الكفار، نزلت هذه الآية المباركة لتقوي عزيمة المؤمنين وتحثهم على مواصلة درب الرسالة رغم وجود الصعاب والعقبات فيه، وفي الآية ما يؤشر على أن رسول الله (ص) الذي عصمه الله من الناس ليس بحاجة إلى إيمان هذا وذاك، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
أما ما تفيده هذه الآية فهو:
- إن الله تعالى هو السند القويم للأنبياء ورسالاتهم ومن هنا فإن عزمهم لا ينثني وهم في درب الرسالة بإذنه تعالى ماضون.
- إن الله تعالى بعلمه الواسع محيط بالعباد من الأنبياء والمؤمنين وحتى الكافرين.
ويقول تعالى في الآية السابعة والتسعين من سورة الإسراء المباركة:
وَمَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ ۖ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴿٩٧﴾
وفي نهاية الجدال بين الكفر والإيمان تأتي هذه الآية قانوناً عاماً، إن هذا القانون يبين أن الهداية هي نصيب من يتبع سبيل الأنبياء عليهم السلام، وإن من لا يتبع سبيل الحق إن هو إلا في ضلال مبين.
نعم، إن الذين هم في ضلال في هذه الدنيا، يحشرهم الله يوم القيامة على وجوههم صم بكم عمي، وفي النار هم خالدون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والذي يفيده لنا هذا النص:
- إن أتباع غير سبيل الأنبياء سواء في القضايا العقائدية والفكرية أو في المسائل الإجتماعية والحياتية ليس فيه إلا الضلال والتيه والخسران في يوم المعاد.
- إن القيامة تجسيد لعمل الإنسان وإنه يحشر مع عمله في يوم لاينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، والحمد لله رب العالمين والسلام على من اتبع الهدى وخشي الضلالة والردى.