بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، السلام عليكم حضرات المستمعين، هذا لقاء قرآني جديد يجمعنا وإياكم إلى مائدة الذكر الحكيم وتفسير آيات أخرى من سورة الإسراء المباركة، بادئين بالآية التاسعة والثمانين من هذه السورة وهي قوله تعالى:
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴿٨٩﴾
إن القرآن قد تضمن كل ما يحتاجه الإنسان في حياته الفردية والإجتماعية، لكن الذين لم ينصاعوا للحق قد تجاهلوا القرآن وعظمته ولم يستفيدوا من هذا المنهل الإلهي الفياض.
والذي نستفيده من هذه الآية:
- إن من أساليب التربية والتعليم هو الأسلوب التمثيلي في بيان الأمور، وقد استخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب كثيراً.
- إن القرآن هو الحق المبين، وإذا ما أنكر الكثير من الناس ذلك فإن هذا الإنكار لا يخير ذلك أن الحق والباطل لا يقاسان بالكثرة أو القلة.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين التسعين والحادية والتسعين من سورة الإسراء المباركة:
وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا ﴿٩٠﴾ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا ﴿٩١﴾
لم يكن المشركون ليقبلوا بإعجاز القرآن الكريم، ومن هنا طلبوا من الرسول الأكرم (ص) معجزات مادية.
نعم.. كفار مكة كانوا يريدون معجزات تشبه ما كان عند الرسل السابقين، وقد طلبوا من رسول الله (ص) أن يجري لهم نهراً أو عين ماء في الصحراء كي يؤمنوا به وبرسالته.
والحق أن نقول أن معجزات الأنبياء والرسل، سلام الله عليهم كانت على أساس حكمة الله تعالى وليس كما يشتهي الناس ويريدون.
أما الذي يفيده إيانا هذا النص فهو:
- إن الهدف الأساسي لبعثة الرسل والأنبياء الكرام، إرشاد الناس وهدايتهم، وهو هدف معنوي عال، لكن أكثر الناس قد غفلوا عن هذا الهدف العظيم وراحوا يجرون وراء الماديات من زبارج الدنيا وزخارفها، إذ أنهم يرون المتعة والقوة في هذه الماديات الزائلة.
- على القادة الدينيين أن لا يهتموا بسفاسف الأمور التي يطلبها البعض من الناس.
والآن نصغي إلى تلاوة الآيتين الثانية والتسعين والثالثة والتسعين من سورة الإسراء وهي قوله تعالى:
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّـهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ﴿٩٢﴾
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا ﴿٩٣﴾
على ما يبدو من هذا النص وبعض النصوص التي مرت علينا فإن الكفار كانوا يتذرعون بذرائع عدة من أجل إنكار نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله (ص).
نعم، إنهم كانوا يتجاسرون على الساحة القدسية للوحي المبين ويقولون إن كان من السماء عذاب نازل، فلينزل علينا، والأدهى أن هؤلاء الكفرة قد تمادوا في كفرهم وغيهم وأرادوا رؤية ملك الوحي على الأرض وطلبوا من رسول الله (ص) أن يعرج إلى السماء ويأتي من عند الله بكتاب يرونه ويقرأونه.
وفي مقابل كل أنواع التجاسر هذه كان جواب رسول الله (ص) أنه عبد من عباد الله يعمل بأمره عزوجل.
نعم، رسول الله (ص) ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ولم يكن يريد من الناس على تبليغ الرسالة أجراً، إن أجره على الله.
وبخصوص المعجزة التي هي في العادة الدليل على النبوة، لابد أن نقول أن العقل يقبل وقوع المعجزة إلا أنها لا تحدث كما يريد هذا وذاك، بل تقع بإرادة الله وإقتضاء حكمته، ثم إنه لابد من الإشارة هنا إلى أن البعض يطلب المستحيل كرؤية الله والملائكة.
إن الله تباركت أسماؤه ومن دون الدخول في التفاصيل ليس بجسم كي يرى، كما أن ليس كل الأجسام بالإمكان رؤيتها، حيث أن ما تراه العين المجردة محدود، علاوة على ذلك هناك أمور محسوسة إلا إنها غير مرئية ومن ذلك قوة الجاذبية بين الأجسام والقوة المغناطيسية، أما ملك الوحي جبرائيل عليه السلام، فقد رآه رسول الله (ص) بإذن الله.
والآن إلى الدروس المستفادة من هذا النص فهي:
- إن عقل البعض في عيونهم، أي أنهم يصدقون ما يرون فقط، لكن هناك الكثير من الحقائق في هذا العالم لا تدركها الباصرة ولابد أن تعيها البصيرة.
- إن الأنبياء والرسل هم عباد الله المختارون وهم بأمره يأتمرون.
غفر الله لنا ولكم وثبتنا وإياكم على المحجة البيضاء والسلام خير ختام.