بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته سيدنا محمد وعلى أهل بيته الغر الميامين.
السلام عليكم – مستمعينا الكرام – وأهلا بكم في هذه الحلقة من نهج الحياة، وكنا قد أنهينا تفسير ثمانين آية من سورة الإسراء المباركة، والآن نستمع إلى تلاوة الآية الحادية والثمانين من هذه السورة، حيث يقول جل شأنه:
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴿٨١﴾
إن هذه الآية تخاطب النبي (ص) ليخبر الناس ويبشرهم بأن الحق منتصر والباطل مندحر، وفي هذا النص الأمل كل الأمل للمؤمنين بأن الباطل زائل لا محالة وإن كلمة الحق هي العليا على الدوام.
ويراد من كلمة الحق، الأمر الثابت والباقي، ذلك أن الله تباركت أسماؤه هو الدائم لوحده، وما عداه في تغيير لا ثبات، ومن هنا فإن إحدى الأسماء الحسنى تعالى – الحق -.
وما يستفاد من هذه الآية:
- إن بقاء الحق وزوال الباطل سنة إلهية، حتى وإن كان أتباع الحق قليلون وأتباع الباطل كثيرون.
- بمجيء الحق يزول الباطل، إذاً على أتباع الحق أن يعملوا على تثبيت دعائم نظام الحق في المجتمع.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثانية والثمانين من سورة الإسراءك
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴿٨٢﴾
الآية السابقة ذكرت أن الحق هو المنتصر والباطل زائل ومندحر، وهذه الآية فيها إشارة إلى أحد مصاديق الحق، وهو القرآن الذي أنزله الله تعالى وجعل فيه الشفاء لأمراض الروح، وفي آياته المعظمات السكينة للنفس، لكن المشركين بعنادهم وكفرهم لا سهم لهم من بركاته، حيث بإنكارهم حقائق هذا الكتاب المقدس تزداد إدران نفوسهم المريضة وليس لهم من بعد ذلك إلا الخسران المبين.
والحق نقول إن الشفاء بواسطة القرآن الكريم ليس لأمراض النفس فقط، بل لبعض من أمراض الجسد كذلك، وقد ثبت هذا الأمر من الناحية العلمية من قبل بعض مراكز العلاج، وعلى أي حال فالمستفاد من هذا النص الشريف:
- إن الإيمان بالله تعالى يعد الأجواء لنزول الرحمة الإلهية.
- إن الكفار الذين لا يطبقون أوامر الله تعالى لهم الحسرة والخذلان في يوم الحساب ولهم سوء الدار في يوم المعاد.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثالثة والثمانين من سورة الإسراء المباركة وهي قوله تعالى:
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ﴿٨٣﴾
تشير هذه الآية الشريفة إلى إحدى خصوصيات الناس الذين لم يتربوا تربية دينية إلهية، وتبين الآية إن كل النعم هي من لدن الله تباركت أسماؤه إلا أن البعض من الناس بتكبرهم وعنادهم ينكرون ذلك ويكفرون بنعم الله.
وهذا المعنى أومأت إليه الآية الشريفة "وقليل من عبادي الشكور" لكن حينما تحوط المشاكل والصعاب، هذا النفر من الناس يتسرب اليأس إلى قلوبهم، ذلك أنهم لم يجعلوا لهم في الحياة سنداً قويماً، ألا وهو الله تباركت أسماؤه فهو خير ناصر وخير معين، وفي المقابل نرى أن أهل الإيمان لا يأس في حياتهم، إنهم على الله يتوكلون ومن عونه تعالى يستمدون، ومن هنا يكون المستقبل أمامهم وضاءاً ومشرقاً.
والمستفاد من هذا النص:
- إن من الناس من يغتر بعلمه أو قدرته وينسى أن علم الله وقدرته أكبر العلوم والقدرات في الكون.
- إن الناس من دون التوكل على الله تعالى والإنابة إليه كائنات ضعيفة، نعم هناك نمط من الناس يعيشون الغفلة عن الله حين الرخاء، ويعيشون اليأس من روح الله حين البلاء.
ويقول تعالى في الآية الرابعة والثمانين من سورة الإسراء المباركة:
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا ﴿٨٤﴾
تشير هذه الآية إلى الجانب المعنوي في حياة الإنسان الذي ينعكس على سلوكياته وأقواله، حيث أن أخلاق الإنسان هي التي تصقل أسلوب التعامل في حياته ولابد من القول هنا أن السلوك ونمط الأخلاق عند أي إنسان، يتأثر بعاملين مهمين؛ الأول الوراثة والثاني التربية، والواضح أن هذين العاملين يتأتيان من الأسرة والبيئة التي يعيش فيها الإنسان، لكن مع كل هذا فإن إرادة الإنسان إرادة فاعلة وبالإمكان أن تتغلب على ما تنشؤه الوراثة والبيئة من سلوكيات، والحاصل أن شاكلة أي إنسان التي وردت في قوله تعالى "كل يعمل على شاكلته" تصقلها العوامل المذكورة معاً إذ من غير الممكن تحديد نسبة غلبة الإرادة على الوراثة والبيئة أو العكس.
وأخيراً إلى الدروس المأخوذة من هذه الآية فهي:
- إن سلوك الإنسان هو مرآة شخصيته الفكرية وخصائصه النفسية، وكما قال الشاعر: فكل إناء بالذي فيه ينضح.
- إن الأفكار الهدامة والنيات السيئة هي التي تعد للسلوكيات المعوجة، إذاً علينا الحذر من مثل هذه الأفكار والنيات.
نسأل الله تعالى أن ينأى بنا عن سيئات الأعمال ويوفقنا لعمل الخير، والسلام خير ختام.