بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل السفراء المقربين، أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين؛ أسعد الله أوقاتكم بالخير حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في لقاء قرآني جديد، لازلنا وإياكم في أجواء عطرة، هي أجواء سورة الإسراء المباركة، حيث نبدأ بتفسير الآية الثامنة والسبعين منها بعد الإستماع إلى تلاوتها:
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴿٧٨﴾
لقد فرض الله تبارك وتعالى على العباد، كما هو في الشريعة الإسلامية الغراء، خمس صلوات في اليوم والليلة، هي صلاة الصبح وصلاة الظهر وصلاة العصر وصلاة المغرب وصلاة العشاء. وصلاة الظهر يبدأ وقتها تميل الشمس إلى جهة الغرب وهو ما يعرب بالزوال، ويستمر وقت صلاة الظهر إلى المغرب وتشارك الظهر في هذه الوقت صلاة العصر، ومنذ المغرب يبدأ نصف صلاة المغرب والعشاء إلى نصف الليل وهكذا يبدو أن وقت هذه الصلوات الأربع وقت متصل، ومنذ منتصف الليل حتى الفجر ليس على الإنسان صلاة واجبة.
وأما صلاة الصبح فيبدأ وقتها من طلوع الفجر ويمتد حتى طلوع الشمس، وقد جاء تعبير القرآن هنا بقرآن الفجر، حيث تقرأ آيات أخرى غير الحمد والسورة، والمراد من قوله تعالى أن قرآن الفجر كان مشهوداً، هو مشاهدة الملائكة لهذه الفريضة حين أداءها.
ومن المستفاد من هذه الآية:
- إن حركة الأجرام السماوية مثل الشمس والقمر، لها دور في تحديد الأحكام الشرعية، إن المعيار في أوقات الصلوات الخمس، طلوع الشمس وزوالها وغروبها.
- إن التكاليف العبادية لها أزمنة محددة وفي هذا دليل على النظام في الدين الإسلامي الحنيف.
والآن نصغي وإياكم إلى تلاوة الآية التاسعة والسبعين من سورة الإسراء:
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴿٧٩﴾
كما هو واضح من هذه الآية التي فيها خطاب إلى النبي (ص)، فإن إحياء الليل واجب على النبي الأكرم (ص) علاوة على وجوب أداء الفرائض الخمس، وواجب على النبي (ص) أن يكون مستيقظاً في جزء من الليل يحييه بقراءة القرآن وأداء الصلاة كي يبعثه ربه تعالى مقاماً محموداً.
وثمة نقطة لابد من الإشارة إليها هنا وهي أن صلاة الليل وهي من النوافل أي المستحبات، واجبة على الرسول الأكرم (ص)، لكن صلاة الليل مستحبة على المؤمنين.
وجاءت إشارات إلى صلاة الليل بالنسبة إلى رسول الله (ص) في سورتين من سور القرآن الكريم، وهما سورة المزمل وسورة المدثر؛ وعلى أي حال وبغض النظر عن مسألة الوجوب والإستحباب فيما يخص صلاة الليل، فإن الآية السابعة عشرة من سورة السجدة المباركة قد وعدت المؤمنين المداومين على أداء صلاة الليل جزاءاً وأجراً جزيلاً.
وقد ذكرت الأحاديث الشريفة فوائد جمة لصلاة الليل منها طول العمر وزيادة الرزق وعزة الإنسان وكرامته، ولابد من القول أن أداء صلاة الليل توفيق إلهي لايناله كل شخص؛ ويستفاد من رواية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إن ارتكاب المعاصي والآثام في النهار تحرم الإنسان من نعمة صلاة الليل وعندما يرخي في الظلام سدوله.
ويستفاد من الآية التي مرت علينا:
- إن نصف الليل، حيث الناس نيام، تتوفر أفضل الأوقات لعبادة الله الواحد الأحد.
- إن المكانة التي يشار إليها بالبنان هي المكانة عند الله تعالى، لا تلك التي ينالها الإنسان في الدنيا، فما عند الله تعالى باق وما في الدنيا زائل.
- إن العبادة هي طريق الوصول إلى المقام المحمود.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثمانين من سورة الإسراء المباركة:
وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا ﴿٨٠﴾
تشير هذه الآية المباركة إلى أحد أهم ما أمر به الإسلام في المجال الأخلاقي أي الصدق والأمانة، حيث لابد أن يكون الصدق والأمانة بداية كل عمل ونهاية كل عمل، وهذا المقصود من قوله تعالى "أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق" وإذا ساد الصدق والأمانة حياة الإنسان فإن الله تعالى ينصره ويعينه على مشاكله وتجاوزها.
نعم، ما أجمل العمل إذا كان بالإخلاص محفوفاً ولا أثر للرياء والتظاهر فيه؟
ولكي يكون العمل مباركاً لابد من ديمومة النية الصادقة فيه، لكن قد يبدأ الإنسان عملاً بنية خالصة ومن بعد ذلك يوسوس له الشيطان فيحبط عمله.
والآن إلى الدروس المأخوذة من هذه الآية وهي:
- لابد من طلب العون من الله تعالى لتكون أعمالنا منزهة عن الرياء والنفاق.
- لابد للإنسان أن يحكم على حسن عمله في النهاية وأن لا يتصور أن ما فعل كان حسناً منذ البداية.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المصلين القانتين ويجعل عاقبة أمورنا إلى خير إنه نعم المولى ونعم النصير والحمد لله رب العالمين.