بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الرسل أجمعين، سيدنا طه الأمين وآله الغر الميامين، السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات وأهلا بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة، حيث نواصل تفسير آيات أخرى من سورة الإسراء المباركة بادئين بالآية الرابعة والستين التي نستمع إلى تلاوتها أولاً:
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴿٦٤﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن الشيطان وبعد أن رفض السجود لآدم، طرد من حضرة القدس الإلهي، إلا أنه طلب من الله أن يمهله إلى يوم القيامة، فقال تعالى "إنك لمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم"، وحذر الله تعالى آدم وبني آدم من الوقوع في أحابيل الشيطان، وتوضح لنا هذه الآية أن ابليس عليه اللعنة، يستخدم أساليب مختلفة لخداع الإنسان؛ فهو يوسوس للإنسان ما استطاع إلى ذلك سبيلاً وله جنود من الجن والإنس تهاجم الناس لإيقاعهم في شراك الرذيلة والكفر والفساد، ويعد الشيطان الإنسان وما يعده إلا غروراً، إنه يريد للإنسان أن تزل قدمه؛ إن كسب المال من الحرام مثل السرقة والقمار ووجود العلاقات الجنسية اللاأخلاقية بين الرجال والنساء ورواج الفاحشة في المجتمع وتكاثر المواليد من الحرام فيه، كل هذا من خطط ابليس اللعين، ولذلك حذر الله تعالى في قرآنه الكريم من أن الشيطان للإنسان عدو مبين.
وأما المستفاد من هذه الآية فهو:
- إن الهجوم الثقافي للأعداء أخطر من الهجوم العسكري ولهذا جاءت كلمة "صوت" قبل كلمة "خيل"، في الآية الكريمة إشارة إلى وساوس الشيطانية.
- إن الخداع هو أسلوب الشيطان لخداع الإنسان، إنه يشجعه على ارتكاب الإثم والمعصية، ومن جانب آخر يوسوس له ما تمكن كي يؤخر توبته، بل ربما لايصل إليها العياذ بالله.
ويقول تعالى في الآية الخامسة والستين من سورة الإسراء المباركة:
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴿٦٥﴾
حيث أن خطر الشيطان خطر جسيم فإن الله تبارك وتعالى، وفي هذه الآية، يبشر عباده المؤمنين بأنه ليس للشيطان سبيل عليهم.
نعم، المؤمنون والصالحون هم في أمان من ابليس ما داموا متوكلين على الله لأنهم في ظلال رحمة الله الذي هو تعالى شأنه لهم وكيلاً، ومن البديهي أن أنبياء الله ورسله وأوليائه هم في الصدارة بين المؤمنين الصالحين، ويليهم سائر الناس ممن صلحت أعماله وخلصت نياته.
ويقول تعالى في الآية التاسعة والتسعين من سورة النحل المباركة:
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٩٩﴾
ويقول تعالى في الأولى بعد المئتين من سورة الأعراف المباركة:
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴿٢٠١﴾
وعلى أي حال فإن من الدروس المستفادة هنا أولاً: إن العبادة والعبودية لله تعالى تحفظ الإنسان من الوقوع في مهاوي ابليس.
ثانياً: لقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين أن يكون لهم حافظاً، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين،.
نجدد لكم التحية مستمعينا الكرام وندعوكم للإستماع إلى تلاوة الآيتين السادسة والستين والسابعة والستين من سورة الإسراء:
رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٦٦﴾
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا ﴿٦٧﴾
في هذا النص الشريف يشير القرآن الكريم إلى نعمة وجود البحار على الأرض، فهي من أهم طرق الملاحقة في العصور القديمة والعصر الحديث، وإذا كانت مياه البحار مالحة وغير صالحة لشرب الإنسان فإن فيها من الحيوانات ما يشكل جزءاً أساسياً من غذاء الإنسان ولا سيما الأسماك بمختلف أنواعها، لكن مع كل هذه العطايا الإلهية فإن القليل من عباد الله شاكرون، وإذا ما ركب الإنسان الفلك وسار في البحر وألمت به حادثة قد تؤدي إلى غرقه، تذكر ربه ودعاه، ومن بعد أن ينجيه الله ينسى ربه ويتوجه نحو ملذاته وينقاد لنزواته.
والمستفاد من هذا النص الشريف:
- إن لطف الله ورحمته دائمة وإن البر والبحر من نعم الله على الإنسان، وفيهما للإنسان رزق كبير.
- إن أخطار الحوادث تزيل ستر الغفلة عن عين الإنسان فيتوجه إلى خالقه وهذا هو الإعتقاد الفطري بالله تعالى.
طبتم وطابت أوقاتكم والسلام عليكم.