بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على سيد الكونين ومولى الثقلين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الهداة إلى الله. السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته.
هذا لقاء قرآني جديد نجتمع فيه معاً، حيث لازلنا في رحاب سورة الإسراء المباركة، وقد وصلنا إلى الآية الستين منها وهي:
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ۚ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴿٦٠﴾
تشير هذه الآية إلى رؤيا رآها النبي (ص) وكانت سببا لامتحان الناس، وتحدث القرآن الكريم عن رؤيتين رآهما النبي (ص)، الأولى قبل أو قبيل وقوع غزوة بدر والثانية كانت خاصة بفتح مكة ودخول المسجد الحرام.
والرؤيا الأولى كانت في المدينة الطيبة، والثانية في مكة المكرمة، ذلك أن سورة الإسراء مكية، جدير بالذكر هنا أن ما كان يراه الرسول (ص) كان يأتي كفلق الصبح لاتصاله (ص) بينبوع الوحي الإلهي الفياض.
وفي سياق النص الشريف إشارة إلى الشجرة الملعونة التي عبر عنها الذكر الحكيم، كذلك بالشجرة الخبيثة، والشجرة الخبيثة كناية عن القوم الخبثاء الذين يلعنهم الله على الدوام.
وحسبما جاء في الروايات التي يرويها الفريقان، السنة والشيعة، فإن الرسول (ص) رأى في المنام أن عدداً من القردة يتقافزون فوق منبره الشريف، وقد حزن الرسول (ص) لهذه الرؤيا كثيراً، ولما سأل النبي الخاتم (ص) عن تفسيرها من أمين الوحي، جبرائيل (ع) أجابه أن بني أمية سيجلسون على كرسي الخلافة من بعده.
وقد تحققت رؤيا رسول الله (ص) وما أخبره الوحي، حيث نزا بنو أمية على خلافة المسلمين وجعلوها ملكاً عضوضاً.
ويحدثنا التاريخ أن الدولة الأموية في الشام حكمت ألف شهر، وكانت فترة حكم الأمويين من أخسر الفترات على المسلمين، ومن أكبر طغاة بني أمية، يزيد بن معاوية عليهما الهاوية، هذا الفاسق ارتكب طغيان في التاريخ حينما أقدم على قتل سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام.
نعم، لم تجن الشجرة الملعونة أي فائدة من حكمها المقيت ولهذا يقول الشاعر مخاطباً شهيد الطف العظيم أبي الأحرار الحسين عليه السلام؛
قتلوك للدنيا ولكن لم تدم لبني أمية بعد قتلك جيلاً
أما الدروس المستفادة من هذه الآية فهي:
- في بعض الأحيان يلهم الله تعالى أنبياءه وأوليائه بالحقائق بواسطة الرؤيا.
- إن التحذير الإلهي الذي يأتي على لسان النبي لا يؤثر في قلوب الأشقياء ويزيد من طغيانهم أيضاً.
ونستمع الآن إلى تلاوة الآية الحادية والستين من سورة الإسراء المباركة:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ﴿٦١﴾
بعد أن أشارت الآية السابعة إلى الشجرة الملعونة تأتي هذه الآية لتشير إلى مصدر هذا التكبر والطغيان أمام قدرة الله وعظمته وهو الذي تجلى في ابليس اللعين الذي رفض السجود لآدم بينا سجدت الملائكة لأبي البشر آدم بأمر الله.
وثمة وجه اشتراك بين الشيطان والحكومات الشيطانية، ابليس استنكف من السجود لآدم والحكومات الشيطانية تستنكف من الشعوب.
والمستفاد من الآية الشريفة:
- أن التسليم أمام إرادة الله دليل على السلوك الملائكي، وفي المقابل فإن الطغيان والإستكبار أمام قدرة الله دليل السلوك الشيطاني.
- إن تكبر ابليس جعله ينظر إلى الإنسان في بعده المادي، بينا عمي بصر هذا اللعين عن البعد الإلهي في شخصية الإنسان الذي خلقه الله من تراب ثم نفخ فيه من روحه تعالى شأنه.
ويقول تعالى في الآيتين الثانية والستين والثالثة والستين من سورة الإسراء:
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٦٢﴾
قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا ﴿٦٣﴾
بعد أن رفض ابليس السجود لآدم وطرد من حضرة القدس الإلهي بني آدم إلا عباد الله المخلصين وعلى أساس حكمته تعالى شأنه وإن الناس قد خلقوا مختارين لا مجبرين، فإن الباري أمهل ابليس إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم القيامة، لكنه جلت عظمته أخبر الشيطان بأنه وأتباعه في النار خالدون.
والآن إلى الدروس من هذا النص فهي:
- أقسم الشيطان على أن يكون على الدوام عدواً للإنسان، إذن فحذاري من الشيطان وحبائله.
- إن الكثير من الناس يقعون فريسة للشيطان وغوايته وقليل منهم الناجون، حيث أن سلطان الشيطان على الذين يتبعونه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
- إن الإنسان حر في اختيار طريق الله أو طريق الشيطان.
عصمنا الله وإياكم من الخطل والزلل ووفقنا للعلم والعمل إنه حسبنا ونعم الوكيل.