بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي البشير أبي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين.
السلام على حضرات المستمعين الأكارم وأهلا بهم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة وكنا قد أنهينا تفسيراً موجزاً لـ 52 آية من آيات سورة الإسراء المباركة، والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثالثة والخمسين، حيث يقول تعالى:
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴿٥٣﴾
إن أحكام الشريعة الإسلامية الغراء تضمنت أحكاماً وقوانيناً لتنظيم الحياة الإجتماعية للمؤمنين تعمل على إرساء دعائم الوئام والسلام في المجتمع، وتزيل منه أشكال الحروب والنزاعات، والذي يبدو واضحاً أن كيفية الكلام لها دور مهم في العلاقات الإجتماعية، والمستفاد من الآية الكريمة أن الله تعالى يأمر رسوله (ص) أن يحث المؤمنين على أحسن القول كي لا يتخذ الشيطان إلى قلوبهم سبيلاً، فتحل المشاحنات والبغضاء لا قدر الله بينهم.
إن الله تعالى يريد من عباده أحسن الأقوال وأحسن الأعمال لأنه تعالى المصداق الأتم للحسن والجمال.
ومما يستفاد من هذه الآية:
- إن الكلام اللين والحسن من شأنه إعداد أجواء المحبة والصداقة والألفة، وفي المقابل فإن قبيح الكلام يعد لوساوس الشيطان أرضية.
- إن من يتبع الظنون الباطلة وعلى أساسها يثير العداء والبغضاء في المجتمع هو من أولياء الشيطان، وكان الشيطان للإنسان عدواً.
ويقول تعالى في الآية الرابعة والخمسين من سورة الأسراء المباركة:
رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ﴿٥٤﴾
إن من أسباب الغلظة والشدة في التحدث مع الآخرين، التكبر والتعالي على الناس والغرور الديني أو الغرور العلمي، إن البعض يتصور أنه داخل الجنة لا محالة لأنه مؤمن وإن الكافر داخل النار لا محالة لأنه كافر، هذا التصور الخاطيء هو الذي يولد حالة الغرور الكاذب عند الإنسان.
نعم.. مثل هذا الكفر الخاطيء يجعل الإنسان يتصور إن من حقه أن يتعامل مع الكافر بأي نحو شاء ويتكلم معه بأي شكل شاء، وكما يبدو من صريح الآية فإن الله تعالى هو الذي يزكي الناس، فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى.
الدخول إلى النار أو الجنة هو بيد الله جل شأنه، فكيف يعطي البعض الحق لأنفسهم في التعامل مع الناس أو لنقل صنف من الناس على أنهم من أهل النار؟
نعم.. حتى الرسول الكريم (ص) على رفيع منزلته، ليس له إجبار الناس على الإيمان، فالله جعل الناس أحراراً في اختيار الكفر أو الإيمان بيدأنه تعالى أبان عاقبة كل سبيل وهذا المعنى يظهر من قوله تعالى –إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً – وقوله تعالى: -ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها-.
والذي تفيده إيانا الآية الرابعة والخمسون من سورة الإسراء المباركة:
- لا ينبغي للمؤمن من أن يغير بإيمانه.
- إن الدعاة الدينيين ليس لهم إجبار أحد على الإيمان، فهذا الحق لهم يكن للرسل والأنبياء عليهم السلام، فكيف يكون لغيرهم.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الخامسة والخمسين من سورة الإسراء:
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿٥٥﴾
في الآية السابقة جاءت الإشارة إلى علم الله ببواطن النفس البشرية وإنه تعالى هو الذي يزكي الأنفس وهذه الآية تشير إلى علم الله تعالى بكل الموجودات في الأرض والسماء، وفي سياق الآية الكريمة حديث عن اختلاف الأنبياء والرسل عليهم السلام في اتساع وضيق نطاق رسالاتهم، وبعبارة أخرى إن من الأنبياء عليهم السلام من أهم أصحاب كتاب وشرائع، وبعض الأنبياء (ع) كانوا قد بعثوا إلى أقوامهم مثل صالح عليه السلام، وكان قد بعث إلى قوم ثمود ومثل شعيب الذي بعث إلى مدين ومن الأنبياء من كانت دائرة رسالتهم أوسع لتشمل مناطق كبيرة من الأرض، وفي بعض الآيات جاءت الإشارة إلى أولي العزم من الأنبياء (ع) وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والمستخلص من الآية الخامسة والخمسين هو:
- إن العالم برمته في علم الله، فهو تعالى عالم بكل ما فيه.
- إن الله تعالى بعث الأنبياء رحمة إلى البشرية وهم على مراتب ودرجات، وكما في نظام التكوين تمايز، فإن في نظام التشريع تمايز، وكل هذا ليس عبثاً بل قائم على أساس علم الله سبحانه وتعالى وحكمته، لكن القاسم المشترك بين دعوات الأنبياء والرسل عليهم السلام عقيدة التوحيد، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا.
المستمعين الأفاضل هكذا إنتهت هذه الحلقة من نهج الحياة، إلى اللقاء والسلام خير ختام.