بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين حبيبنا وحبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين المعصومين. السلام عليكم مستمعينا الأكارم وأهلاً بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج، وها هي عودة إلى أفياء سورة الإسراء المباركة، حيث أنهينا تفسير 31 آية منها، والآن نستمع وإياكم إلى تلاوة الآية الثانية والثلاثين من هذه السورة:
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴿٣٢﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج استمعنا إلى آية نهت عن قتل الأولاد خشية إملاق وفقر، صحيح أن لهذه الآية مصاديق في المجتمعات الحاضرة، إلا أنها أشارت إلى ظاهرة وأد البنات التي كانت رائجة عند العرب قبل الإسلام، وفي هذه الآية جاء النهي عن ارتكاب إثم كبير ألا وهو الزنا، وهو من الفواحش كما هو صريح القرآن وإنه سبيل سيء أعاذنا الله تعالى منه.
ومن الطبيعي أن العلاقات غير المشروعة بين الرجل والمرأة تبدأ من نظرة، وكم من نظرة أورثت حسرة وندامة، ومن هنا حرم الإسلام النظر إلى غير المحارم كي لا تقع الفاحشة إلا أن المراد بالنظر المحرم هنا هو النظر بريبة أو شهوة، لكن في غير ذلك فهو جائز كما هو المألوف في العلاقات الإجتماعية المحللة. وفي الإسلام جاء النهي عن اختلاط الرجل والمرأة في غير حال الضرورة، فإذا اختلى رجل وامرأة كان ثالثهما الشيطان، وهكذا يبدو أن كل هذه الأحكام الشرعية هي لضمان سلامة المجتمع والحؤول دون تلونه ببراثن الفساد والرذيلة، وفي هذه الأحكام الشريفة ضمان للنساء، حيث يتوفر لهن الأمان في المجتمع ولا تمتد إليهن أيادي الطامعين.
ولو ألقينا نظرة على عواقب هذا العمل السيء، أي الزنا، اتضح لنا السبب في تحريمه ليس في الشريعة الإسلامية الغراء وحسب، بل وفي الشرائع والأديان الأخرى كذلك.
إن الزنا أمر مذموم تأباه الفطرة، ومن هنا حرمته الأديان التي تقوم على فطرة الإنسان، وللزنا عقوبتان؛ الأولى في الدنيا والثانية في الآخرة، والعجب أن المجتمعات التي تدعي إطلاق الحرية للمرأة في العالم المعاصر قد جعلتهن لقمة سائغة أمام أفواه وحوش كاسرة، لا بل إننا بتنا نشاهد ظاهرة تسمى تجارة الرقيق الأبيض، حيث تباع النساء في سوق النخاسة من أجل البغاء، واليوم راج الإجهاض بين فتيات المدارس الثانوية في المجتمعات الغربية المدعية لحرية المرأة وإن أرقام مخيفة تتحدث عن إجهاض الفتيات، كل ذلك منشأه الزنا والرذيلة.
ولابد أن نشير هنا إلى أن الزنا يتسبب في حدوث أمراض عضوية صعبة العلاج مثل مرض الأيدز الذي راج في العقود الأخيرة، ويتسبب الزنا كذلك في عقد وأمراض نفسية تقود صاحبها إلى الإنتحار في بعض الأحيان.
وقد يؤدي رواج الزنا في المجتمع إلى إقدام البعض عليه ممن ليسوا من أهله، الأمر الذي يقود إلى تصدع الكيان الأسري بعد حدوث وثبوت الخيانة الزوجية؛ والزنا من أسباب حدوث الطلاق بين الزوجين، والطلاق في حد ذاته في مثل هذه الحالة يقود إلى الفاحشة والسقوط في مستنقع الرذيلة.
ومن آثار الزنا، تزايد عدد الأبناء غير الشرعيين ومجهولي الأب أو الأم أو الإثنين معاً، وقد ثبت من الناحية الإجتماعية أن أولاد الزنا فيهم ضرر كبير على المجتمع حيث يرتكبون جرائم عديدة، ويعلل علماء النفس هذه الظاهرة كرد فعل من قبل هذا الصنف من الناس إزاء المصير الذي آلوا إليه من بعد خطأ ارتكبه الأبوان. ولقد حث الدين الإسلامي الحنيف الشباب على الزواج للإبتعاد عن الرذيلة والزنا وتكوين الأسرة الهادئة والمستقرة.
ووردت بهذا الشأن الكثير من الأحاديث نذكر منها على سبيل التبرك قول رسول الله (ص): تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة.
أما ما نستفاده من هذه الآية فهو:
- إن خطر بعض الآثام جسيم حتى أن الإقتراب من تلك الآثام فيه خطورة وعليه لابد من الإبتعاد عن مقدمات الإثم حتى لا نقع في حباله.
- إن الزنا من كبائر الإثم وهو المدخل إلى آثام أخرى وإنه ينقص العمر ويذهب بماء الوجه ويثير غضب الله تعالى.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثالثة والثلاثين من سورة الإسراء المباركة:
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ﴿٣٣﴾
تنهى هذه الآية عن القتل، ذلك أن الله تعالى جعل النفوس محترمة وليس لأحد أن يزهق روح أحد وأن الله تعالى إذا ما شرع القصاص فقد جعله رادعاَ لارتكاب جريمة القتل.
نعم.. الشرع الشريف أجاز القصاص، ذلك أن النفس بالنفس، لكن نهى الشرع الشريف عن التشفي والمثلة ورسولنا الكريم (ص) يقول إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور فكيف بالإنسان وهو أشرف مخلوقات الله.
إن مصاديق الإسراف في القتل هو إثارة النزاع بين أسرة القاتل والمقتول أو بين قبيلتيهما؛ وفي التاريخ أحداث وأحداث عن حروب قامت بين القبائل من أجل قتل شخص، وكم سفكت دماء ما كان ينبغي أن تسفك.
إن القصاص هو جزاء القاتل في الدنيا وهو جزاء القتل العمد دون الخطأ أو شبه العمد وإن للقاتل عذاب جهنم في الآخرة إذا لم يتب.
والدروس المستقاة من هذه الآية هي:
- للإنسان مسلماً كان أم كافراً، حق الحياة وليس لأحد أن يزهق روح أحد إلا بما يحدده الشرع الشريف من القصاص.
- مثلما أن قتل الآخرين حرام، كذلك الإنتحار، فهو الآخر حرام، فالله لم يأذن لأحد بقتل نفسه.
- إن المجتمع لابد أن يهب لحماية المظلوم
والحمد لله رب العالمين.