بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً كثيراً والصلاة والسلام على من بعث للناس بشيراً ونذيراً، سيدنا ومولانا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الأخيار البررة الذين أبعد الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. والسلام عليكم حضرات المستمعين ورحمة الله وبركاته، هذا لقاء قرآني جديد وعودة إلى سورة الإسراء المباركة، وقد أنهينا لحد الآن تفسير أربعة وعشرين آية منها.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الخامسة والعشرين من هذه السورة المباركة:
رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴿٢٥﴾
كما تتذكرون أيها الأخوة والأخوات، فإن من الآيات التي مرت علينا في الحلقة السابقة، آيات خاصة بالإحسان إلى الوالدين ولزوم توفيرهما واحترامهما أحياءاً كانوا أم أمواتاً.
إلا أن النص الذي استمعتم إليه آنفاً يشير إلى بعض لا يؤدي حقوق الوالدين كما هو المطلوب، حيث يشاهد عدم الإحترام في سلوك وقول مثل هؤلاء الأفراد، والله تبارك وتعالى بذلك عليم، لكن في إمكان مثل هؤلاء التوبة وباب التوبة أمامهم مفتوح وأن الله تعالى يغفر لهم ذنبهم ويعفو عنهم وهو العفو الغفور.
والذي يبدو من نص الآية المباركة، أن احترام الوالدين واجب ديني وليس توصية أخلاقية وحسب، وعليه فإن كل سلوك أو قول يؤذي الوالدين يعد إثماً وعلى من يرتكب مثل هذا الإثم أن يقلع عنه ويتوب ويستغفر ربه وإلا فإن الله يعاقبه.
ومما يستفاد من هذا النص:
- في بعض الأحيان قد تزل للإنسان الصالح قدم، وفي مثل هذه الحالة لابد أن يتوب عما صدر عنه.
- إن الله تعالى عالم بما نعمل وهو تعالى شأنه عالم بالنيات وما تخفي الصدور.
ويقول تعالى في الآيتين السادسة والعشرين والسابعة والعشرين من سورة الإسراء:
وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴿٢٦﴾
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴿٢٧﴾
بعد بيان حقوق الوالدين، يأتي هذا النص ليبين حقوق ذوي القربى والمساكين وبن السبيل، فهؤلاء لهم حقوق في أعناقنا، ومن الواجب علينا أداؤها على أن الذي يؤسف له أن البعض يسلك طريقي الإفراط والتفريط في أداء حقوق الآخرين ومساعدة المعوزين.
نعم.. البعض يمسك يده عن مساعدة الآخرين ولا يهم إلا بأهله وذويه، وفي المقابل يسرف البعض في مساعدة الآخرين دونما اهتمام بأهله وذويه. وعلى أي حال فإن النص الشريف يدعو إلى سلوك الطريق الوسط ويذم التبذير ويرى أن المبذرين إخوان الشياطين.
إن الإنفاق غير الصحيح أو الإنفاق في غير محله نوع من عدم الشكر، والشيطان لم يشكر الله، ومن هنا عدّ المبذرون إخوانه كما هو صريح النص المبارك.
إن الإسراف والتبذير يتناولان في الغالب مفاهيم مادية ومالية، لكن من مصاديق الإسراف والتبذير هدر سنوات العمر ولاسيما سنين الشباب فيما لاينفع، وإذا لم يستفد الإنسان من نعمة الحياة أو يسخر إمكاناتها في غير المشروع فإن مآله الحسرة والخسران المبين.
ومن الدروس المستقاة من هذا النص:
- لابد في الإحسان والإنفاق من تقديم ذوي القربى بدءاً من الوالدين والأقارب ومن بعد ذلك المساكين وأبناء السبيل في المجتمع.
- إن ما يدفعه الأغنياء إلى الفقراء هو حق الفقراء والمساكين وعليه لاينبغي للأثرياء أن يمنوا على من أعطوا بما أعطوا.
- لابد في الإنفاق من سلوك سبيل الإعتدال من دون إفراط أو تفريط.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثامنة والعشرين من سورة الإسراء:
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا ﴿٢٨﴾
في النص السابق جاء الحديث عن الإنفاق على ذوي القربى والمحتاجين، ويأتي هذا النص ليوضح لنا أنه في حال عدم تمكن الإنسان من الإحسان إلى الآخرين لابد أن يقول لهم قولاً ميسوراً، بأن يؤمل الفقير بالإنفاق عليه في حال أفاض الله عليه من رزقه، وجاء في الروايات أن النبي (ص) عندما كان يأتيه السائل ولا يجد هو (ص) ما يعطيه، يدعو الله أن يرزقه ويرزق السائل من فضله.
نعم.. لقد حث القرآن الكريم وحثت السنة النبوية المطهرة على مساعدة المحرومين ومن ذلك قوله تعالى، فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر، ومن بعض الروايات يستفاد أنه لا ينبغي رد السائل وإن جاء على ظهر فرس.
وقد جسد أهل البيت عليهم السلام هذا المعنى السامي بأبهى صوره وليس هنا مجال تفصيل ذلك وهو على أي حال من أوضح الواضحات.
ومما يستفاد من هذا النص فهو:
- لابد أن نأمل على الدوام رحمة الله تعالى ونقول للآخرين قولاً جميلاً فيه تطييب الخواطر وعدم النفور.
- في حال عدم تمكن أحدنا من مساعدة الآخرين مادياً، لابد في أقل التقديرات من إدخال الأمل في نفوسهم.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لعمل الخير والإحسان إلى الناس فإنه من الباقيات الصالحات المدخرات ليوم لاينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
طبتم وطابت أوقاتكم، حضرات المستمعين والسلام خير ختام.