بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الهداة الأبرار، وسلام من الله عليكم أيها الكرام، هذا لقاء قرآني جديد يجمعنا وإياكم إلى أحسن الحديث، حيث نواصل تفسير عدة آيات أخرى من سورة الإسراء المباركة ونبدأ بالإستماع إلى تلاوة الآية الثانية والعشرين من هذه السورة وهي قوله تعالى:
لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا ﴿٢٢﴾
تشير هذه الآية المباركة إلى أن الشرك في العقيدة وفي العمل ليس له نتيجة إلا ذلة الإنسان وخنوعه، حيث أن الإنسان المشرك لا ينال رحمة الله ولطفه فهو محروم بشركه من الفيض الإلهي ولا ريب أن الإنسان المشرك تحيطه المشاكل والصعاب، وأهم ذلك الحيرة والضلال.
ومن جانب آخر فإن الشرك بالله تعالى شانه ليس له دليل عقلي، بل هو خلاف العقل والمنطق، ومن هنا يكون الشرك مدعاة للإحباط والضعف والهوان.
ومما يستفاد من هذه الآية:
- إن العزة والرفعة هما في ظل التوحيد، وإن أي نوع من أنواع الشرك في الفكر والعمل فيه ذلة ومهانة.
- إن اتباع التعاليم غير الدينية يقود الإنسان إلى طريق مسدود.
ولنستمع الآن إلى تلاوة الآية الثالثة والعشرين من سورة الإسراء المباركة:
وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴿٢٣﴾
بعد أن تحدثت الآية السابقة عن الشرك وإنه عمل مذموم فيه الذل للإنسان تأتي هذه الآية في بدايتها لتؤكد على عبادة الله الواحد الأحد والفرد الصمد لكي يكون التوحيد على الدوام هو محور حياة الإنسان، ومن بعد التوحيد وكما هو منطوق الآية الشريفة، يأتي الإحسان إلى الوالدين.
إن ذكر الإحسان إلى الوالدين إلى جانب التوحيد دليل على اهمية هذا الأمر، ومن الضروري القول هنا أن الإحسان إلى الوالدين مفهوم واسع يتعدى حدود الإنفاق والمساعدة، وقد يكون الوالدان على مستوى من الغنى، ومن هنا لا حاجة لهم بالمال إنما هما بحاجة إلى الإحسان في مفهومه المعنوي مثل تفقد أحوالهما والسؤال عنهما واحترامهما اجتناب حتى التأفف والتعبير عن الإستياء في التعامل معهما.
ومن الدروس المستفادة من هذا النص القرآني الشريف:
- إن الإحسان إلى الوالدين هو من الصفات الأساسية للإنسان المؤمن.
- إن الإحسان إلى الوالدين قد جاء إلى جانب طاعة الله وتوحيده جل شأنه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإحسان واجب إنساني وتكليف إلهي.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الرابعة والعشرين من سورة الإسراء وهي قوله تعالى:
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴿٢٤﴾
تأتي هذه الآية لتوضح أن سلوك الإنسان تجاه والديه لابد أن يكون على أساس التواضع؛ نعم.. لا ينبغي التكبر أمام الوالدين أو التغليظ لهما في الكلام بل لابد من اللين فيه، ويأتي القرآن الكريم يقول لنا أن ندعو بالخير للوالدين وبالرحمة لهما، أليس تعالى يقول: وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً.
وليس الدعاء للوالدين وهما على قيد الحياة فقط، بل لابد من الدعاء لهما حتى بعد الممات وطلب الرحمة والغفران لهما من ذات الله الكريم المنان، وقد ورد في الروايات أن النبي (ص) زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، ولنا في فعل رسول الله (ص) القدوة الحسنة.
على أي حال إن المراد النص القرآني الشريف بحسب الظاهر الآباء والأمهات بالمعنى الحقيقي أو الوالدين، لكن لابد أن نقول هنا أن المعلمين في المجتمع هم بحكم الآباء والأنبياء والأئمة عليهم السلام من أصدق مصاديق معلمي المجتمع، وقد عبر عن معنى الأب الروحي في المجتمع بقوله تعالى – ملة أبيكم إبراهيم-.
وجاء في حديث شريف أن الرسول الأكرم (ص) قال: [أنا وعلي أبوا هذه الأمة].
والآن إلى الدروس المستقاة من الآية الرابعة والعشرين من سورة الإسراء فهي:
- إن على الأبناء مهما بلغوا من درجات التواضع أمام آباءهم وأمهاتهم، والمراد من التواضع، الحقيقي منه لا الظاهري الذي قد يكون فيه تكلف ورياء.
- إن من واجبات الأبناء الدعاء للوالدين أحياءاً كانوا أم أمواتا.
غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم.