بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته المعصومين.
السلام على حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بهم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، حيث نتابع تفسير آيات أخرى من سورة الإسراء المباركة ونبدأ بالآية الثامنة عشرة منها وهي قوله تعالى:
مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ﴿١٨﴾
تتحدث هذه الآية عن اولئك الذين همهم الدنيا ونيل الماديات والملذات فقط، إن مثل هؤلاء إما لا علم لهم بالآخرة وهم عنها غافلون أو إنهم ينكرون يوم المعاد عمداً وهم به عالمون، ومن الطبيعي أن هذا النمط من الناس لا يعلمون للآخرة شيئاً ولا يمكن لهم أن يتوقعوا الفوز بالجنة وحسن المآب.
ومما يستفاد من هذا النص الشريف:
- إن حب الدنيا والتوجه إليها يعود على الإنسان بالضرر، حيث لا يكون له نصيب من الآخرة، فحب الدنيا وكما ورد في الحديث الشريف رأس كل خطيئة.
- الإنسان في الدنيا لا ينال كل مقاصده، حيث أن الماديات محدودة، وفي المقابل فإن المعنويات لا حدود لها والكل يمكن أن يصل إليها، لكن بشرط السعي والمثابرة.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية التاسعة عشرة من سورة الإسراء المباركة:
وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴿١٩﴾
طلاب الآخرة يعيشون في الدنيا ويلتذون بحلالها ويتجنبون حرامها ابتغاء مرضاة الله، ومن أجل الفوز بالنعيم في الآخرة. وفي مقارنة بين هذه الآية والآية التي سبقتها يلاحظ أن السعي في الحياة الدنيا وإن لم يصل إلى نتيجة فإن ثماره تجنى في الآخرة، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، على أن من الواضح بعد كل ما ذكرنا أن السعي الدنيوي من أجل الدنيا ذاتها ليس له من فائدة وإن صاحبه يعيش الحسرة والخسران المبين يوم الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومما تفيده الآية:
- إن السعادة الحقيقية ينالها الإنسان حينما يسعى لآخرته والمؤمن يؤدي أعماله حتى المعاملات منها من أجل كسب رضا الله تعالى، وعليه فإن أجره في القيامة مضمون.
- إننا مكلفون بأداء الواجبات وترك المحرمات، وأما نتائج هذه الأعمال فهي بيد الله تعالى.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية العشرين من سورة الإسراء وهي قوله تعالى:
كُلًّا نُّمِدُّ هَـٰؤُلَاءِ وَهَـٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴿٢٠﴾
إن سنة الله في خلقه أن ينشر رحمته في الدنيا سواء على من هم من طالبيها أو من الذين يريدون الآخرة، فهو عزوجل يرزق الكافر والمؤمن معاً، بيدأنه لا يرضى عن عمل الكافرين.
ودرسان نستفيدهما من هذا النص الشريف هما:
- إن الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر لا يتعارض مع التمتع الحلال بالحياة الدنيا، والإسلام ليس دين رهبانية حتى يمنع ذلك.
- إن العطايا الإلهية هيمن لطف الله وفضله، إنه تعالى أفاض على الإنسان الوجود وهي أكبر نعمة، ثم إنه تعالى شأنه لم يترك عبده من دون فضل ولطف ورحمة، كيف لا وهو اللطيف الخبير ذوالفضل العظيم الرحمن الرحيم.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الحادية والعشرين من سورة الإسراء المباركة:
انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴿٢١﴾
يستفاد من هذه الآية المباركة أن الناس ليسوا متساوون من حيث الرزق، بل إن الله تبارك وتعالى وعلى أساس حكمته فضل بعضاً على بعض في الرزق وليس في هذا التفصيل أي إجحاف لأنه كما ذكرنا قائم على أساس الحكمة الإلهية وعلم الله تعالى.
ومن الواضح أن الله تعالى يمتحن عباده بقدر ما عندهم من إمكانيات، ويأتي واضحاً من آخر الآية الشريفة أن الإختلاف في الدرجات في الدنيا ليس بذي أهمية والمهم هو الدرجات في الآخرة، فمن ينال فيها درجات أكبر وأكثر يكون فيها أفضل.
نعم .. هذا هو المعنى الذي يوميء إليه تعالى في قوله – وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً-.
ومما نأخذه من فوائد من هذا النص هو:
- إن الإختلاف بين الناس أو بعبارة أدق الإختلاف بين مستويات الناس ليس هو من قبيل التمييز. نعم.. من يتدبر في الأمر يرى أن التفاوت في الدرجات الدنيوية هي على أساس حكمة الله تعالى، ومن لوازم الوجود والخلق، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
- على الإنسان أن لا يعدو وراء درجات الدنيا، فهي فانية وزائلة لا محالة. نعم.. علينا السعي إلى التنافس من أجل نيل درجات الآخرة، ذلك أن الآخرة خير وأبقى.
اجعلنا ممن يريد الآخرة ويبغاها ووفقنا للعمل الصالح في الدنيا واجعلها لنا خير ممر لخير مستقر إنك أنت ذوالفضل العظيم والسلام خير ختام.