بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين وأفضل صلواته وأزكى تسليماته على سيد رسله وخاتم أنبياءه نبي الهدى والرحمة وشفيع المذنبين في الآخرة المصطفى المختار محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الأطيبين الأخيار.
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات وأهلاً بكم، نواصل تفسير آيات أخرى من سورة الإسراء المباركة ونبدأ بالآية الخامسة عشرة:
مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿١٥﴾
تشير هذه الآية المباركة إلى ثلاثة أصول عامة تخص نظام الثواب والعقاب، الأول هو أن إيمان الإنسان أو كفره ليس له نفع أو ضرر على الله، بل أن نتائج الإيمان والكفر تعود على الإنسان نفسه، ومن يسلك طريق الهداية الربانية ويعمل بالأحكام الإلهية فإنما ينفع نفسه ومن يرفض قبول الحق إنما يضر نفسه، والأصل الثاني هو أن كل إنسان يتحمل تبعات عمله، فالله تبارك وتعالى وهو الحاكم العادل، لا يلقي تبعة شخص على آخر، والأصل الثالث هنا وهو من السنن الإلهية، قد أوضحه الذكر الحكيم في أشكال مختلفة وكلها تدور حول محور واحد، وهو أن الله تعالى لا يعذب أحداً قبل أن يبعث إليه رسولاً يهديه ومنطق القرآن الكريم يقول: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً.
وهذا من لطف الله تباركت أسماؤه، حيث لابد من إتمام الحجة أولاً.
وما نأخذه من إفادات من هذا النص الشريف:
- أن الله تعالى خلق الإنسان مختاراً ومسؤولاً عما يختار.
- أن الله تعالى لا يعذب أحداً من قبل أن يبعث رسولاً.
- العقل بمفرده ليس كاف لتحقيق سعادة الإنسان ولابد من الهداية إلى الله والنهج القويم بواسطة السفراء المقربين من الأنبياء والمرسلين والأوصياء، صلوات ربنا وسلامه عليهم أجمعين.
ويقول تعالى في الآية السادسة عشرة من سورة الإسراء المباركة:
وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴿١٦﴾
الآية التي سبقت هذه الآية أوضحت أن الله تعالى شأنه لا يعذب أمة أو قوماً حتى يبعث فيهم رسولاً يبين لهم طريق الهداية ليسلكوه، أما هذه الآية فتبين أن عذاب الله تعالى لا ينزل على العباد مالم يقترفوا إثماً وهذا من قوانين العدل الإلهي لا ظلم ولا إجحاف، تبارك ربنا ذو الجلال والإكرام.
حيث أن أكثر زعماء المجتمعات البشرية هم من المترفين الجامعين للثروات غير الصالحين، جاءت هذه الآية وكأنها خطاب لهؤلاء الذين يتبعهم الناس ويشاركوهم في فسقهم وفجورهم، وعلى أي حال فإن ما يستفاد من هذا النص الشريف هو:
- إن جذور الفساد وانحراف المجتمعات البشرية تكمن في حب الدنيا وجمع المال والجري وراء اللذات والشهوات، وبتعبير موجز حياة الترف.
- إن الحكام المترفين هم السبب في تهاوي المجتمعات البشرية إلى مهاوي الرذيلة وبالتالي نزول غضب الله وعذابه.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية السابعة عشرة من سورة الإسراء المباركة:
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿١٧﴾
نعم.. أيها الأكارم، الآية السابقة لهذه الآية أشارت إلى سنة إلهية في الخلق وهي نزول العذاب على أي قوم أو أمة تركت العمل بأوامر الله تعالى ولم تنته عن نواهيه.
وفي هذه الآية بيان إلى أن الأرض ومن بعد الطوفان في عهد النبي نوح عليه السلام، قد سكنها أقوام عديدون، لكن التاريخ يحدثنا أن الكثير من تلك الأمم قد بادت بعد أن سادت ولم يبق لها أثر.
وكما يعرف الجميع فإن الطوفان في زمن نوح عليه السلام قد جاء عذاباً للكافرين ولم ينج من هذا العذاب الإلهي إلا سيدنا نوح ومن ركب الفلك معه.
وعلى أي حال فإن هذه الآية توضح لنا أن زمن سيدنا نوح عليه السلام هو نقطة عطف في تاريخ البشرية، نعم.. بإنقراض الأمم السالفة فتح فصل جديد في حياة البشرية.
نعم.. المستفاد من الأدلة التاريخية والقصص القرآنية وهي القصص الحق، فإن من بعد قوم نوح عليه السلام جاء قوم عاد وثمود وقوم لوط وقوم مدين، الذي بعث الله إليهم أنبياء من أمثال لوط وصالح وشعيب عليهم السلام، وهذه الأقوام بادت.
ولنستقرئ الدروس والعبر من هذه الآية فهي:
- إن عذاب الله، أجارنا الباري منه، لا يخص يوم القيامة وإنه في هذه الدنيا قد طال أقواماً كافرين وأمماً من الفاسدين.
- إن تاريخ الماضين هي مرآة عبرة للحاضرين والقادمين من الأجيال، فعلى الإنسان أن لا يغفل عن عذاب الله.
- إن علم الله تعالى بأعمال وأقوال العباد هو أفضل عامل لتربية الإنسان.
مسك الختام قولاً لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام حيث يقول: [إن الله فرض عليكم فروضاً فلا تعطلوها، وحد لكم حدوداً فلا تعتدوها ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها].